بسم الله الرحمن الرحيم
توطئة لا بد منها : من المعلوم في هذا الباب أن الإنسان يتكون من جسد وروح .. وكل منهما يؤثر على الآخر بطريقة أو بأخرى . والجسد معروف للجميع بتفاصيله أما الروح فلا نعلم عنها إلا القليل .. ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )
ومن المعلوم أيضا في هذا الباب أن الإنسان لا يرى كل المخلوقات التي تحيط به ، أدرك العلم بعضها .. ( فقبل سنوات من الآن لم يكن معروف سبب الكثير من الأمراض لأنها كانت بسبب الفيروسات والبكتيريا والتي لا ترى بالعين المجردة ) .. فالعلم أدرك بعض ما يحيط بنا من الكائنات وبقي عاجزا عن معرفة البعض الآخر ومن ذلك الملائكة والجن . ومن المعلوم أيضا أن عدم مشاهدة الأشياء لا ينفي وجودها ومن الأمثلة على ذلك الكهرباء والموجات الصوتية وفوق وتحت الصوتية والحمراء وتحت الحمراء وفوق الحمراء .. إلخ كل تلك الأشياء لا نراها ولكنها موجودة . ومن ينكرها يُشَك في قواه العقلية .
ومن المعلوم أيضا في هذا الباب أن معرفة الإنسان محدودة فهو لا يعرف كل شيء في هذا الكون ولا يستطيع أن يفسر كل شيء وأن ما يجهله أكثر بكثير مما يعرفه ، هذه حقيقة ولذلك من الحمق والجهل إنكار الأشياء فقط لأننا لا نعرف عنها شيئاً .
وجود الملائكة والجن في حياتنا هذه حقيقة نؤمن بها كمسلمين وذلك جزء من عقيدتنا وهي ثابتة عند بقية الأديان السماوية أيضا لا تنكرها ..
زيادة على ذلك؛ هي ثابتة بتواتر القصص والأحداث والمشاهدات على مستوى الأمم والشعوب وعلى مستوى التاريخ والحضارات ، ربما دخلها بعض المبالغات وبعض الخرفات والدجل ولكن هذا لا يعني إنكارها جميعا .
وهنا وقفة ، رغم أن وجود الملائكة والجن حقيقة مسلمة ثابتة إلا أننا ابتلينا في هذا العصر بنوعين من البشر كلاهما خالف الصواب والحق .
نوع تعلق بها إلى حد الخرافة ، وأصبح يفسر ويسقط ويتكلف ويتهم وينزل كل ما يحدث له بأنه بسبب العين أو السحر مثلا :. ( تعطلت سيارته قال : حسد أو عين ، فشل مشروعه قال : حسد أو عين ، مرض قال : عين أو حسد ـ إلخ ) وهذا ليس من الهدي النبوي بل مخالف للسنة .
ونوع آخر نفاها جملة وتفصيلا وأنكرها إلى حد الكفر فالملائكة والجن والسحر ورد ذكرها كلها في القرآن وإنكارها إنكار للقران وهذا كفر والعياذ بالله .
روح الإنسان أيها الأحبة شأنها عجيب وغريب وسرها عظيم ، وأغرب ما فيها أنها تجمع المتناقضات ، وإليكم بعض مواصفتها :
شفافة جدا وسريعة التأثر سلبا وإيجابا .. قوية إلى حد الإعجاز وفي الوقت نفسه ضعيفة إلى حد الشفقة .. المشاعر كلها لا تأتي إلا عن طريق الروح فالفرح لا يكون إلا عن طريق الروح .. وكذلك الحزن لا يكون إلا عن طريق الروح .. التفاؤل لا يكون إلا عن طريق الروح وكذلك التشاؤم .. لها علاقة بالألم والإحساس به وأيضا لها علاقة بالتغلب عليه .. الضيق والهم لا يكون إلا عن طريق الروح وكذلك انشراح الصدر والسعادة .. السكينة والاطمئنان لا تأتي إلا عن طريق الروح ومن ناحية أخرى القلق والاكتئاب أيضا لا تأتي إلا عن طريق الروح ... ألم أقل لكم أن شأنها عجيب .
الملائكة تؤثر فيها .. وكذلك الجن والشياطين ..
الكلمة الطيبة تؤثر فيها .. وكذلك الكلمة الخبيثة .
القرآن يؤثر فيها .. وكذلك الأغاني والموسيقى .
وعندما تتأثر الروح تؤثر على الجسد .. سلبا وإيجابا ، والأمثلة كثيرة جدا .. كم ساعدت الروح القوية في الشفاء من الأمراض وكم ساعدت الروح الضعيفة في زيادة المعاناة . وكم ساعدت الروح القوية في تحقيق الأهداف والتغلب على الصعاب وكم ساعدت الروح الضعيفة في الفشل والسقوط .
هذا المقدمة كانت مهمة لإدراك أهمية الروح وخطورتها وضرورة الاعتناء بها .
وقبل أن نرجع إلى موضوع حديثنا ..نعرج على الفرق بين النفس والروح ..
النفس والروح عند الكثير من العلماء هي شيء واحد وهكذا أجاب الشيخ بن باز رحمه الله عندما سأله أحدهما عن الفرق بينهما قال :النفس هي الروح والروح هي النفس .. ولذلك صعب جدا التفريق بينهما وكل ما قيل هو مجرد اجتهادات شخصية
والحقيقة أن الجميع متفقون سواء علماء الدين أو الفلاسفة أو المفكرون على أن الروح أعظم ما خلق الله في الوجود وأنها سر من أسراره .
ويمكن اعتبار الفارق الوحيد بينهما أن النفس أعم من الروح فهي تطلق على الجسم كله (العقل والقلب و الجسد والروح ) مجتمعة وهكذا جاءت في بعض آيات القرآن فكلمة أنفسكم أو نفسك أو النفس يقصد بها كل الإنسان .. بينما الروح أخص .
لو اردنا أن نقسم الأمراض لن تتعدى نوعين
أمراض جسدية .. وأمراض نفسية
الأمراض الجسدية معروفة لدى الجميع وهي ليست موضوع حديثنا إلا ما كان بسبب الروح أو ما كان للروح علاقة به .
الأمراض النفسية هي أيضا تنقسم إلى نوعين : نوع منشؤه نفسي بحت ونوع سببه عضوي . وكلاهما يؤثر على الآخر . فالأمراض النفسية تؤثر على الغدد وإفرازات الغدد ولذلك هي توثر على الأعضاء بشكل مباشر فتعطلها وتظهر وكأنها مرض عضوي وهي ليست كذلك .. وأيضا الكثير من الأمراض العضوية توثر على النفس بشكل مباشر فتسبب الاكتئاب والقلق والخوف .. إلخ
الأمراض التي منشؤها نفسي بحت هي أيضا تنقسم إلى نوعين .. نوع نتيجة ما علق بالذاكرة أو ما يسمى بالعقل اللاواعي من مواقف سلبية ونوع اخر هو ما كان نتيجة الأرواح الأخرى ( والجن ، والسحر ، والعين .. إلخ )
الملائكة مثلا تؤثر إيجابيا بنزول السكينة والاطمئنان والثبات .. إلخ ورد ذلك في القران الكريم في أكثر من موضع
الجن والسحر والعين تؤثر سلبيا . وهذا أيضا ورد في القران الكريم في أكثر من موضع
حالات المس كثيرة وقصصها متواترة لن نستفيض فيها .. ومن أشهرها وأكثرها وضوحا المس العارض وهو ما يحدث في حالة ( الزّار ) وأيضا ما يحدث في بعض حالات الكوابيس أثناء النوم ..
أيضا السحر حالاته كثيرة جدا وأسبابه متنوعة وقوته أيضا مختلفة وهذا ثابت في القرآن والسنة .
وأيضا العين .. فهي من العجائب وسرها لا يعلم به إلا الله ولكنها حقيقة ثابتة وردت في السنة المطهرة وتواترت القصص والأخبار عنها .. وهي نتيجة أو مظهر من مظاهر الحسد الذي ذُكر في سورة الفلق ... ومن حكمتها والله أعلم عدم التباهي والاستعراض بنعم الله فمن أنعم الله عليه بالصحة يجب عليه أن يراعي مشاعر الضعفاء والمرضى ولا يتباهى بها أمامهم وإلا فلا يلومن إلا نفسه .. ومن انعم الله عليه بالولد فلا يجب عليه الإكثار من ذكرهم والتباهي بهم أمام الآخرين وخاصة أمام من حُرم الذرية ولنا في قصة يعقوب عليه السلام اسوة حسنة وهكذا من اعطي المال والغنى يجب عليه الإنفاق والصدقة والعطاء على الفقراء والمساكين والمحتاجين .
ومما يجب توضيحه هنا أنه من الصعوبة بمكان التفريق بين هذه الأمور، أقصد أعراض السحر والمس والعين فهي تتقاطع بشكل كبير وكل ما قيل في ذلك ( سحر علوي أو سفلي أو عين أنسية أو عين شيطانية .. إلخ ) كل ذلك محض اجتهادات يدخل فيها الغلط والدجل والوهم .. والمهم هنا هو العلاج ، وهو واحد ..
وعندما نتحدث عن العلاج يجب التنبيه على أن الذهاب إلى الرقاة يقدح في تمام التوكل وهو مكروه .. فالأصل أن السر في العلاج هو القران والقرآن بين أيدينا جميعا إلا إذا كان الإنسان لا يحفظ منه شيئا وهذا مستبعد ، فالفاتحة التي هي ركن من أركان الصلاة تكفي والجميع يحفظها ..وما ذُكر من تفنيد وتحديد آيات للسحر وآيات للعين وآيات للمس فهذا لم يرد فيه شيء .. نعم وردت الأحاديث في فضل آيات محددة مثل الفاتحة وآية الكرسي وآخر سورة البقرة والمعوذات .. إلخ دون تحديد أو تفنيد . وورد أن القران شفاء كله . فمن كان يجيد قراءة سورة الفاتحة فيكره في حقه الذهاب إلى من يقرأ عليه إلا إذا كان هناك ممارسة عملية تحتاج خبرة كالكي أو الفصد أو الحجامة أو التدليك .. إلخ .. فعندها لا بأس من الاستفادة من أهل الخبرة في هذا المجال .. أما أن نذهب إلى شيخ فقط ليقرأ علينا القرآن فهذا لا ينبغي أبدا وهو يقدح في تمام التوكل كما أشرنا . فالسر في القران وليس في الأشخاص .
ماذا بقي أيها الأحبة بقي أن نعرج على العلاج بشكل سريع :
أولا الواجب استشارة أهل الاختصاص سواء للأمراض العضوية أو النفسية فما خلق الله داء إلا وله دواء .. ولكن -وأشدد على ما بعد لكن هذه-:
الاستقامة .. فالاستقامة تساعد وبشكل كبير جدا في علاج الأمراض عموما وخاصة النفسية منها .. فهي تعيد التوزان والثقة والأمل إلى النفوس .. الاستقامة تعني التخلص من سلبيات الماضي ورواسبه وأخطائه ، أيضا تساعد على استقرار الحاضر وعلى ضمان المستقبل إذا سلّمنا أنه بيد الله ولذلك أعظم ما يُرزق الإنسان الإيمان العميق بالله وقدرته وهيمنته .
الاستقامة .. تعني كل الأشياء الجميلة التي نعملها . فلن يتحقق الاستقرار النفسي أبدا والإنسان يرتكب المحرمات والمعاصي والذنوب .. الاستقامة تعني المحافظة على الصلاة في وقتها وفي المسجد وتعني غض البصر وتعني الأكل الحلال وتعني عدم الظلم وتعني العمل والجهد وتعني النشاط وتعني الصدق والوفاء وحسن الظن .. إلخ ، تعني كل المعاني الجميلة التي تهذب النفس وتسكن الروح وتزيد الثقة . ثقوا تماما أننا لو طبقنا ذلك لن نحتاج إلى مراجعة العيادات النفسية وأنا اراهن على ذلك خاصة في الأمراض النفسية التي منشؤها نفسي غير عضوي .
ولعل من المفيد أن نختم بالتأكيد على أهمية الاعتناء بالروح وتقويتها وترقيتها هذا لمن أراد الشفاء من الأمراض والوقاية منها .. بالروح نجتاز كل الأزمات وكلما زاد اهتمامنا بها ؛ زاد تحقيقنا للسكينة والاستقرار النفسي ..
وتذكروا أن الروح شفافة جدا وسريعة التأثر سلبا وإيجابا .. قوية إلى حد الإعجاز وفي الوقت نفسه ضعيفة إلى حد الشفقة .
هذا ما تيسر ايراده فإن احسنت من الله وبتوفيق الله وإن كانت الأخرى فمن نفسي ومن الشطيان .. سبحان ربك رب العزة عم يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
انقر هنا للمزيد عن الكاتب / حامد علي عبد الرحمن
التعليقات