بسم الله الرحمن الرحيم
سنتحدث اليوم أيها الإخوة الكرام عن جزئية خاصة في الصلاة وهي المعيار الحقيقي لقبولها وتأثيرها على الروح والجسد . لن نتحدث عن أهمية المحافظة عليها في وقتها وفي المسجد فهذا من المسلمات البديهية التي لا تخفى على أحد ..
لا يخفى عليكم أهمية صلاتها جماعة قال تعالى : قال جل وعلا: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ فأوجب صلاة الجماعة في حال الخوف .. وهي فيما دون ذلك أوجب .. وقال عليه الصلاة والسلام: من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر ... وأتاه ﷺ رجل أعمى فقال: يا رسول الله! إنه ليس لي قائد فهل لي من رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: هل تسمع النداء بالصلاة ؟؟ قال: نعم. قال: فأجب اخرجه مسلم في صحيحه .
ولا يخفى عليكم قوله صلى الله عليه وسلم .. العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ولا يخفى عليكم قوله صلى الله عليه وسلم : بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة
كل ذلك لا يخفى عليكم : ولا يخفى عليكم أيضا قوله صلى الله عليه وسلم أول ما يحاسب عنه العبد من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وفي رواية: فإن قبلت صلاته قبل منه سائر عمله، وإن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله .... وأيضا لا يخفى عليكم ضرورة إقامة ركوعها وسجودها ..كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ"، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: "وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا، فَعَلِّمْنِي"، قَالَ: "إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا". وروى البخاري عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنه رأى رجلاً يصلي ولا يتم ركوع الصلاة ولا سجودها فَقَالَ لَهُ: "مُنْذُ كَمْ هَذِهِ صَلاتُكَ؟"، قَالَ: مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ له حذيفة: "مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَوْ مُتَّ وَأَنْتَ تُصَلِّي هَذِهِ الصَّلاةَ، لَمُتَّ عَلَى غَيْرِ فِطْرَةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
كل ذلك لا يخفى عليكم ..... ما يخفى على الكثير للأسف هو أهمية الخشوع في الصلاة أقصد خشوع القلب .. واستحضار عظمة الله حبا وخشية .. رهبة ورغبة .. خوفا رجاء .. تعظيما وتقديرا وتوقيرا .. الكثير ربما يصليها في وقتها وفي المسجد وربما يطيل الركوع والسجود ولكنه بذهن شارد وقلب له وبال مشغول . البعض لا يذكر من صلاته إلا تكبيرة الأحرام ثم لا يفيق إلا مع قول الإمام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أثنى الله عز وجل على الخاشعين قال تعالى : قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ .. إذن الخشوع ثم الخشوع ثم الخشوع ..
يَنْقُصُ أَجْرُ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ خُشُوعِهَا، وَيُصَلِّي الرَّجُلَانِ بِجِوَارِ بَعْضٍ وَبَيْنَهُمَا فِي الْأَجْرِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، جاء في حديث عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلَّا عُشْرُ صَلَاتِهِ، تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدْسُهَا، خُمْسُهَا، رُبْعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصْفُهَا»
وماذا ذاك التفاوت في الأجر إلا بسبب الخشوع .. والخشوع يتفاوت في القلوب بحسب حضورها وتعظيمها لله . وبمقدار هذا التفاوت يكون تفاضل الناس، في القبول والثواب، وفي رفع الدرجات، وحط السيئات .
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، فَإِذَا الْتَفَتَ انْصَرَفَ عَنْهُ . المقصود من الالتفات . التفات القلب إلى الدنيا وأمور الدنيا ومشاغلها .
وَجَاءَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الْخُشُوعُ، وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمُ الصَّلَاةُ» ...
عندما يفقد الخشوع تفقد الصلاة وتأثير الصلاة وروح الصلاة
عندما يفقد الخشوع تأتي الصلاة بدون أثر فلا تنهى عن الفحشاء ولا عن المنكر ..
عندما يفقد الخشوع .. يصلي المرء في الصف الأول ولكنه يظلم ويحسد ويحقد ويطمع ويصر على المعاصي والذنوب . ويبقى يجتر سلوكياته السلبية سنوات وسنوات لا يتغير عندما يفقد الخشوع .. يصبح لا معنى للصلاة .. إلا الشكل الظاهري
حاتم الأصم؛ من خيار السلف، كان أخشع عباد الله، ولما سئل عن الخشوع: كيف تخشع في صلاتك؟ فأجاب: "إذا أردت أن أصلي وسمعت نداء ربي، قمت إلى وضوئي، ثم أقبلت على مصلاي -يعني المسجد- فأكبر في تحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأجلس في طمأنينة، وأتصور أن الجنة عن يميني، وأن النار عن يساري، وأن ملك الموت خلف ظهري، وأن الصراط تحت قدمي، وأن الكعبة أمامي، ثم لا أدري بعد ذلك أَقُبِلَت صلاتي، أم رُدَّت عليَّ".
هذا هو الخشوع الذي يؤثر في الروح وفي العقل وفي القلب وفي الجوارح .
روي أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال “إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة قيل: وكيف ذلك قال: لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله عز وجل فيها.”
قال مجاهد رحمه الله: “كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء أو يلتفت أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا بشيء ما دام في صلاته”.
وكان الربيع بن خثيم يقول ما دخلت في صلاة قط فأهمني فيها إلا ما أقول وما يقال لي. وقال بعضهم: “الصلاة من الآخرة فإذا دخلت فيها خرجت من الدنيا.”
وقال محمد بن يعقوب الأخرم: ما رأيت أحسن صلاة من محمد بن نصر، كان الذباب يقع على أذنه .. فلا يذبّه عن نفسه، ولقد كنا نتعجب من حسن صلاته وخشوعه وهيبته للصلاة كان يضع ذقنه على صدره كأنه خشبة منصوبة.
أيها الأحبة : لو تواصل أحدنا مع أمير أو مع رئيس أو مع مدير أو مسؤول وقف أمامه منصتا ساكنا مصغيا ، يستحى أن ينشغل أو يتشاغل عنه . فما بالنا نتشاغل عندما نتواصل مع ملك الملوك ونقف أمامه .
عَلَيْكَ بمِا يُجْدِي عَلَيْك مِن التُقَى ... فإنَّكَ في سَهْوٍ عَظيمٍ وَغَفْلَةِ
تُصَلِيْ بلا قَلْبٍ صَلاة بِمِثْلِهَا ... يكونُ الفَتَى مُسْتَوْجِبًا لِلْعُقُوْبَةِ
تُخَاطِبُهُ إيَّاكَ نَعْبُدُ مُقْبِلًا ... عَلَى غَيرِهِ فيهَا لِغَيرِ ضَرُوْرَةِ
تظل وقد أتممتها غير عالم تزيد احتياطا ركعة بعد ركعة
ومن قبل هذا ما شككت بأصلها فقمت توالي نية إثر نية
فويلك تدري من تناجيه معرضا وبين يدي من تنحني غير مخبت
أما تستحي من مالك الملك أن يرى صدودك عنه يا قليل المروءة
صلاة أقيمت يعلم الله أنها بفعلك هذا طاعة كالخطيئة
التعليقات