لا يُعوّل عليه / حامد علي عبد الرحمن (1)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد :
كلنا نحاول التقرب إلى الله ونعمل ونجتهد .. صلاة .. صيام .. صدقة .. إحسان .. بر ..إلخ ولكن السؤال المهم الذي ارهق الأولين والآخرين وقطّع قلوب المؤمنين واقض مضجع المتقين .. هل قُبلت أعملنا أم لا ؟
قال تعالى : وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : يا رسول الله ، والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر ، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال :
لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصلون ويصومون ويتصدقون ، وهم يخافون ألا يقبل منهم .
لماذا لم تقبل منهم أعمالهم ؟ لا بد أن هناك أسباب ؟
حساب الأعمال يوم القيامة والمكافئة عليها يخضع لحسابات دقيقة جدا .. ليست حسابات بشرية تعتمد على الظاهر فقط ، إنها حسابات ربانية اعمق وأدق بكثير جد ، تعتمد على أعمال القلوب والنوايا وتعتمد على الإقبال على الله بالكلية .. وتعتمد على الإحساس بعظمة الله أثناء تأدية العمل ، وهذا ما يجعل نتائج الأعمال تكون على ضربين أو صورتين متناقضتين ومتغايرتين .
الصورة الأولى : قال تعالى عنها : وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا .. نسأل الله السلامة .. ماذا أسوء ؟ وماذا أصعب ؟ من يتفاجأ الإنسان بنتيجة سلبية مغايرة لما كان يتوقع ... ماذا اسوء من أن يكون الإنسان من الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ..
بعض الأعمال تكون كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ
ماذا اسوء من أن يكون الإنسان قدّم أعمالا كثيرة يعتقد قبولها ولكنها أصبحت هباء منثورا ماذا اسوء من أن يحبط الله عمل الإنسان فلا يقبل منه شيئا .. ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ .. الكره يكون بالقلوب ثم ينعكس على الجوارح على شكل كسل وتقاعس وتأجيل وتماد وتهاون ..
الله لا يقبل إلا ما كان خالصا له .. فالإخلاص هو السبب الرئيسي لقبول الإعمال ومن علامات الإخلاص الإقبال على الله بالكلية .. والإقبال على الطاعات بالكلية هو ما يكشف علاقة الإنسان بربه ... العلاقة بالله لا تتجزأ ... يصلي في الصف الأول .. ثم يشهد الزور .. ثم يظلم .. لا تستوي .. ورغم أن الإخلاص من أعمال القلوب إلا أن أثره ينعكس على الجوارح وينعكس على كل الأعمال .. فأوامر الله لا يمكن تجزئتها والاختيار منها .... لا يمكن أن نأخذ ما وافق هوانا ونترك ما خالفه .. لا يمكن أن نكون في هذه القضية مخلصين وفي تلك القضية غير مخلصين .. لا يمكن أن يكون همنا الله في قضية ... وهمنا الناس والدنيا في قضية أخرى .
من أكبر علامات الإخلاص الإقبال على الله بالكلية .
إذا وجد الإنسان نفسه متذبذبا ... فليراجع حسابته ..
يقول أحد العارفين : كل توبة لا تكون عامة فهي ترك ... وليست توبة ... فلا يعول عليها ولا يقبلها الله توبة ... وكل ورع مقصور على أمر دون أمر لا يعول عليه .
من تغلل حب الله في قلبه وكيانه كان في كل سكناته وحركاته لله .. لا يستطيع أن يتخلص من ارتباطه بالله. يخاف من الصغائر ويتركها قبل الكبائر .. هذه أبرز علامات القبول من لم تكن فيه هذه الخصلة .. فليحذر لأنه سيتفاجأ بأن ما كان يعتقد أنه أجر وثواب سيتفاجأ يوم القيامة أنه لا شيء جعله الله هباء منثورا .. التهاون في الصغائر أضاع عليه تلك الأعمال العظيمة ... يعرف أن بعض الأشياء حرام ولكن لسان حاله يقول :
لا اريد أن اترك الدخان والشيشة الآن ... لا أريد أن اصلي في المسجد الآن .. الغيبة والنميمة عنده أسهل ما يكون .. والكذب والنفاق ليس شيء .. يديم النظر إلى الحرام ولا ينوي التوبة الآن .. في هذه القضية صادق ومخلص وفي تلك القضية يكذب وينافق .. وهكذا ... كأن الدين على مزاجه !!!!!! .. يختار منه ما يشاء ويترك ما يشاء ..
يقول الله تعالى عن هؤلاء وأمثالهم ..
أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .
المؤمن الحقيقي هو الذي تتساوى عنده الصغائر والكبائر لأن الآمر والناهي واحد وهو الله الواحد الأحد .. وإن أذنب أو قصر وهذا واقع لا محالة سارع إلى التوبة النصوح والاستغفار مباشرة دون تأجيل أو تسويف ..
لم يهلك الناس شيء أكثر من تصنيف الذنوب والمعاصي إلى صغائر وكبائر .. أنت عندما تعصي أنت تعصي الملك الجبار بغض النظر عن كبر المعصية أو صغرها .
الإصرار على الصغائر يهدد الأعمال الكبيرة العظيمة بعدم القبول
كما أن التذبذب والتقلب خطيرا جدا .. قال تعالى : أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ .... أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ .
وقال تعالى : عن الذين يعلمون أن هذا الأمر حرام أو لا يرضي الله ثم يستمرون عليه قال عنهم : ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُۥ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ
هذه الصفة اقصد الإصرار على ما يسمونه صغائر .. احبط أعمالهم الصالحة الأخرى فلم تقبل منهم.
هذه صورة عن نتائج قبول الأعمال .. وهناك صورة أخرى مغايرة .. صورة مشرقة رائعة .. صورة تدل على سعة رحمة الله وعلى كرمه .. وهي أكثر بكثير من قبول العمل إنها تبديل الذنوب والسيئات إلى حسنات ..
قال تعالى : فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ
وكما أن من أسباب إحباط الأعمال وعدم قبولها الإصرار على الذنوب فإن المسارعة إلى التوبة النصوح دون تأخير أو تأجيل أو تسويف والثبات عليها من أهم أسباب قبول الإعمال بل أكثر من ذلك تحويل الذنوب السابقة والمعاصي إلى حسنات .. هذه غاية ما يتمناها المذنب . ليست سهلة وأيضا ليست صعبة على من سهلها الله عليه .. من شروطها : - التوبة النصوح .. ومن شروط التوبة النصوح المسارعة وعدم التأجيل . ربط التوبة بزمن محدد أو بفترة محددة أو بظروف محددة كارثة بل إنها جريمة يرتكبها الإنسان في حق نفسه .. فالعلاقة مع الله لا يجب أن تكون هكذا ... الله أعظم وأجل من أني أربط طاعتي له بزمن محدد أو بظروف محددة . ومن شروطها الإقبال على الله بالكلية .. كل أمر صغيرا كان أو كبيرا إذا علمت أنه لا يرضي الله يجب التوقف عنه فورا . وكل أمر يحبه الله يجب أن اسارع إليه فورا بدون تردد أو تأجيل مهما كانت الضريبة أو الخسارة . عندها فقط تقبل الأعمال ويبدل الله السيئات حسنات .
هذا والله أعلم ،،،
للمزيد عن الكاتب أنقر هنا / حامد علي عبد الرحمن
التعليقات