كن جميلا ترَ الوجود جميلا / حامد علي عبد الرحمن
هذا بيت من قصيدة للشاعر إيليا أبو ماضي ، قصيدة غاية في الروعة والجمال والفلسفة .. لا أدري كيف اهتدى إليها الشاعر ؟ . إنها العبقرية والإبداع ..
واستباقا لما قد يقوله البعض ويتأوله .. أنا لا أتفق مع كل ما جاء فيها وأيضا لا اتفق مع فلسفة الشاعر عموما .. ولكني لا أملك أمام الجمال والروعة والإبداع إلا التقدير والاعتراف لصاحبها أياً كان دينه أو مذهبه . فاختلافي مع بعضه لا يعطيني الحق في تجاهل الإبداع والفن في بعضه الآخر
يقول -وسنستعرض بعض أبيات القصيدة فقط . ولي أثناء ذلك وقفات قصيرة وتعليق- :
أيّها الشّاكي وما بك داءٌ
كيف تغدو إذا غدوت عليلا ؟
الكثير من الناس محروم من السعادة رغم أنه يمتلك كل مقوماتها .. لأن استشعار السعادة فن وهبة ومنة من الله لا يجيده كل أحد وهي ليست لأي أحد . أن تكون كل مقومات السعادة بين يديك ثم لا تكون سعيدا فهذا هو الحرمان .
ثم يقول :
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفسٌ
تتوقّى قبل الرّحيل الرّحيلا
الكثير من الناس يعيش المصيبة أو الكارثة قبل أن تحل .. فيشقي نفسه شقاء مضاعفاً
إن في انتظار البلاء بلاء أشد وفي انتظار الألم ألم أشد .
يقول المتنبي في بيت قريب من هذا المعنى:
ومن ينفق الساعات فى جمع ماله
مخافة فقر فالذي فعلَ الفقرُ
ثم يقول :
وترى الشّوك في الورود وتعمى
أن ترى فوقها النّدى إكليلا
وهذا طبع الأشقياء الظالمين، لا يقع بصرهم إلا على عيوب الآخرين ، ومهما كانت الحسنات في الآخر لا يبصرها .. إنهم مثل الذباب لا يقع إلا على الجروح والأوساخ .. لا تكن كالذبابة وكن كالنحلة؛ تترك كل شيء ولا تقع إلا على الأزهار والورود لجمع رحيق العسل .
ثم يقول تأكيدا لهذا المعنى :
والذي نفسه بغير جمالٍ
لا يرى في الوجود شيئا جميلا ..
هذا البيت معلقة لوحدة .. يختصر آلاف العبارات والكلمات .
إلى أن يقول :
وتوقّع إذا السّماء اكفهرّت
مطرا سوف يحيي السهولا .
التفاؤل والأمل شيء عظيم .. ( لو لم يكن في الأمل إلا الثقة في الله لكفى به خيراً ولولم يكن في التشاؤم إلا سوء الظن بالله لكفى به شراً) مهما كانت الأبواب مغلقة فإنها ستفتح وسيأتي الفرج .. دائما أحسن الظن وتوقع الأجمل مهما كانت الأجواء سيئة .. ( تفاءلوا خيرًا تجدوه )
إلى أن يقول :
ما أتينا إلى الحياة لنشقى
فأريحوا أهل العقول، العقولا
كلّ من يجمع الهموم عليه
أخذته الهموم أخذا وبيلا
الله لم يخلقنا لنشقى، الله أرحم وألطف وأكرم .. الله خلقنا وكرمنا ( ولقد كرمنا بني آدم ) .... الله لم يخلقك ليشقيك فلا تبتئس ولا تقلق فإن مع العسر يسراً
ثم يقول :
كن غديرا يسير في الأرض رقراقا
فيسقي من جانبيه الحقولا
لا تترك الحب والعطاء ولا تنتظر المقابل .. الغدير يسقي الصالحين وأيضا يسقي الفاسدين لا يهتم لمن يشرب منه .. من أدمن العطاء لا يتوقف كثيرا ولا يتساءل ( هل هذا يستحق أو لا ؟ ) يعطي للعطاء نفسه . يعطي لله فقط .
ثم يقول :
كن مع الفجر نسمة توسع الأز
هار شمّا وتارة تقبيلا
يقول : استغل الإمكانات المتاحة وتمتع بها ( عش اللحظة )
ثم ختمها بهذا البيت الأسطوري ..
أيّهذا الشّاكي وما بك داء
كن جميلا ترَ الوجود جميلاً
كن جميلا .. تر الوجود جميلا .. ياله من بيت
الجمال يأتي من الداخل وينعكس في كل شيء ..
مع المرض والهم ... صبرا جميلا
في الخصام وعند الغضب ... صفحا جميلا
عند الفراق والبعد ... هجرا جميلا .
اجعل الجمال في كل شيء في حياتك .
كن جميلا تر الوجود جميلا .. الجمال يتعدى المظهر الخارجي .. الجمال جمال الروح ونقاء القلب .. الجمال أن لا تحقد ولا تحسد ولا تكذب ولا تطمع .. هذه الأشياء تلوث وتشوه الجمال، لا يمكن أن تكون جميلا إلا إذا تخلصت منها . إذا لم تشعر بالجمال فابحث في داخلك واجتث تلك الصفات منه اجتثاثا .
والخلاصة :
كن تقيا تر الوجود جميلا .. ليس في الوجود أعظم من الأتقياء .. ولا أسعد من الأتقياء .. ولا أجمل من الأتقياء ..
التعليقات