ما نثبت به فؤادك .. بعض جماليات الإسلام / حامد علي عبد الرحمن
الجو مظلم وبارد وهذا السكون الرهيب يزيد من الرهبة ، ليست المرة الأولى التي ينتابه هذا الشعور .. الشعور بالوحدة والخوف والضياع ، هذا الشعور يوقظ مشاعر أكثر تعقيدا وأكثر بعدا وعمقا وأكثر جمالا وألقا ، شيء عجيب أن تجتمع الأضداد في الوقت ذاته، عفوا ليست أضداداً بل إنها معطيات ونواتج ، مدخلات ومخرجات .. الشعور والمشاعر هي الدافع الأول إلى البحث والعلم والعمل .. ومن ثم الوصول إلى الأمان .. والأمان هذا ، هو الهدف الأسمى والغاية القصوى لكل عاقل .
تبلد الحس أو التحايل على المشاعر والتهرب منها وكبتها يجعل الإنسان يدور في حلقة مفرغة لا يتغير ولا يتبدل ، بل يجعله يجتر الخيبات والخمول والمعاناة وربما الذل .
لا زالت بعض تلك الأفكار عالقة في ذهنه ، تفكيره مشتت لم يعد يعرف للحقيقة وجهاً، ضبابية الرؤية واختلاط الصور وتداخل الألوان شعور مؤلم جداً .... لم يرزق الإنسان رزقا أفضل من راحة البال ولا سعادة ولا هناء أكثر من طمأنينة القلب وسكونه .
ينقل خطواته بتثاقل ينظر هنا وهناك بدون تركيز .. يستعيد الكثير من الأفكار والنظريات، الكثير من الفلسفة و الكثير من السفسطة .. الكثير من المنطق وأيضا الكثير من الهرطقة . يتأمل الحال وسرعة الزمان ، سرعة مخيفة مربكة مرعبة .. تجاوز الخمسين في لمح البصر وماذا بعد ؟ .. وكم بقي ؟ .. وماذا قدم ؟ ..
انقطع التواصل بينه وبين نفسه ولهذا يحس بالغربة والضياع . ولا غرو ولا مشاحة فالإنسان يتكون من جسد وروح إذا لم يكن هناك تواصل بينهما (تحيوَن) الإنسان إن صح التعبير، أي تحول إلى حيوان .. منذ مدة ليست باليسيرة وهو يحاول أن يعيد الاتصال دون فائدة .
هو الآن في أمس الحاجة إلى هذا الاتصال إلى من يتحدث إليه ويبثه أمله وألمه وحنينه وغربته، همه وفرحة ويشاركه أفكاره ومشاريعه . هو في أمس الحاجة إلى من ينصحه ويوجهه ويهديه ويرشده .
إنه يحتاج إلى هذا الاتصال بشكل عاجل قبل أن ينطفئ النور وتخمد جذوة الضوء ، إنه يحتاج إلى هذا الاتصال قبل أن يتحنط ويتيبس ويتجمد ولا أصعب من تكلس وتجمد الفكر . بعض الخلايا إذا تيبست صعبٌ عودتها إلى الحياة .. كذلك الأفكار إذا تيبست توقف نموها وإذا توقف نموها أصبحت عالة بل أصبحت كارثة على نفسها وعلى المجتمع .
يستمر في نقل خطواته الثقيلة ونظراته البلهاء إلى الأشياء . من ينظر إليه يعتقد أنه موجود يرفع يده بالتحايا ويوزع الابتسامات بشكل آلي وبدون وعي إنه في الحقيقة غائب عن الوجود يسبح في وديان بعيدة .
قادته خطواته إلى واحد من تلكم الأماكن التي يحدث فيها الاتصال عادة مع روحه .. وضع قطعة البساط الصغيرة وجلس يتأمل ، يشحذ ويستجدي الفكر ويستثيره .
حاول أن يركز، المكان مناسب والوقت مناسب أيضا ( الوحدة والهدوء وظلام الليل) هو كل ما يحتاج إليه .. خطوط شبكة التواصل الأساسية موجودة .. إذاً سيتحقق المطلوب ويحدث التواصل إن شاء الله .
طرح الكثير من الأسئلة والأفكار والتأملات لعله يجد لها حلاً .
أصبح همه وشغله الشاغل الإسلام والدين الحق وهؤلاء الشباب الناشئة .. هو يشفق عليهم مع هذا البحر الهائج وهذا السيل الجارف وهذا الكم الهائل من المعلومات .
هو يعلم خطورة الفكر وكيف يتشكل .. معلومة = مفهوم = فكر = سلوك .
إنه أخطر من السلاح وأفتك .
سرح بذهنه واستعرض الكثير من المذاهب والعقائد الضالة والمضلة ، واستعاد الكثير من الأفكار الشاطحة الشاذة والتي لم تكن إلا نتاج الفكر المبني على المعلومات الخاطئة
وأخطر الأفكار ما كان حول العقيدة .. لأنها الدافع والمحرك لأغلب السلوكيات ، فالعقيدة تعني الدين والتدين وتعني الإيمان وتعني الاطمئنان وتعني الاستقرار النفسي وتعني القوة وتعني السعادة ، باختصار كبير تعني كل تلكم الأشياء الجميلة في حياة الإنسان . فإذا ضعفت العقيدة أو تشوهت فقد الإنسان الجمال والإحساس بالجمال .
ديننا الإسلامي دين عظيم ، لا يحتاج إلى القتل ولا إلى العنف ولا إلى الإرهاب لينتشر ولا يحتاج أيضا إلى التملق والانبطاح والتزلف والنفاق والتنازل لينتشر .. يحتاج فقط إلى تطبيق تعاليمه الأخلاقية ومبادئه وقيمه الإنسانية العظيمة . عندها سينتشر انتشار النار في الهشيم . أكبر طريق للدعوة إلى الدين الحق هو التطبيق و القدوة . لا نحتاج إلى الكثير من التنظير نحتاج عمل .
الدين الإسلامي في مفهومه الأساسي والسليم والنقي يحتوي على جماليات عظيمة جدا جماليات باطنة وظاهرة ، جماليات مدهشة ساحرة مؤثرة .
الصلاة وإقامة الفروض والواجبات وأركان الإسلام عمل جميل ولكن لا يمكن اختزال الدين في هذه الأشياء التي ثمرتها خاصة فقط . الدين أعظم وأبعد وأجمل من ذلك بكثير ، الدين كتلة مترابطة إنسانية اجتماعية ثقافية .
لن تكون صالحا حتى تكون مصلحا ولن تكون مصلحا حتى تكون صالحا، و"صالحا" تعني أن تكون قدوة في الأخلاق والتعامل .
" هناك صنفان من الناس فقط يجوز أن نُسميهم عقلاء و هم الذين يخدمون الله جاهدين لأنهم يعرفونه و الذين يجدُّون في البحث عنه لأنهم لا يعرفونه " باسكال
وأضيف: هناك صنفان آخران لا شك أنهم حمقى، صنف هم الذين عرفوا الله ولم يجدّوا في السير إليه وصنف آخر لم يعرف الله ولم يجدّ في البحث عنه .
العملية هنا ليست مغامرة بمال أو بمنصب أو بصفقة تجارية . العملية أخطر بكثير إنها سعادة أبدية أو شقاء أبدي .
صاحبنا يبحث عن هذا الاتصال مع الروح ومع العقل والفكر حتى يبقى حياً ومنتجاً وفاعلاً .. يتأمل الدين الإسلامي وعالميته وتكامله وترابطه - فهو يصلح لكل العصور ولكل العقليات - ويتألم كثيرا من حال المسلمين . مؤلم جدا حال أغلب الشباب المسلم اليوم لم يعرفوا دينهم كما يجب ولم يعرفوا قوته وجماله . يطاردون الجمال هنا وهناك والجمال بين أيديهم ويبحثون عن الحكمة بعيدا ومنبعها في كتابهم .
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول
تخيل مقدار الغبن بل مقدار الغباء وأنت تقنع بالفتات من عند غيرك والمائدة عامرة في بيتك وتستجدي الدراهم القليلة من الغير وأنت تنام على كنز عظيم في بيتك لا تعلم عنه شيئا .
هذا حال أغلب شباب المسلمين للأسف .. يتلقفون بلهفة كل ما تلفظه الحضارة الغربية ويتعامون عن النور الذي بين أيديهم . يستضيئون بنور الشمعة ويغلقون نوافذهم عن نور الشمس .
هو .. لا يلومهم أبدا .. بل إنه يشفق عليهم .. هذه مشيئة الله أن يولدوا في هذا العصر الموغل في المادية فضاعوا لعدم جود التوجيه وضعف الدليل .
هناك صوت قوي يتردد صداه في ذهنه يؤرقه ليلا نهارا يحثه على البحث ويدفعه إلى التعلم وكشف الشبهات وتفسير الملابسات وتنقيح المتضادات يحثه إلى تسليط الضوء على جماليات هذا الدين العظيم . ليس من أجله فحسب بل أيضا من أجل هؤلاء الشباب الضائع فكريا ، من أجل هؤلاء الناشئة الذين اختلط عليهم الغث بالسمين وكثر عليهم الخبث فحسبوه معدناً
يجمع كل ( ما نثبت به فؤادك ) .. طمأنينة الفؤاد هي الغاية القصوى التي ينشدها العقلاء .. الطمأنينة منبع لا ينفذ للسعادة ..
في لحظة تفكير عميقة في جو مناسب حدث الاتصال ثم بدأ هذا الحوار وهذا النقاش مع النفس والذي يأمل أن يستمر إلى أن يتحقق المطلوب .
من أين ابدأ .. وعلى ماذا أستند وإلى من ألجأ ؟ ـ سأل نفسه ـ . لو أعلم شيخا أو عالما يروي غليلي ويشبع نهمي من المعلومات لشددت إليه الرحال .. الموضوع كبير وشائك ومعقد ويحتاج إلى جهد كبير جدا لجمع المادة العلمية وتتبع الأدلة والبراهين والآراء والأفكار وتفنيدها والرد على الشبه والأباطيل .
ثم هل الموضوع يستحق كل هذا الجهد وما الفائدة المتوقعة ؟
من أين تبدأ، هذه ليست قضية كبيرة ، لن يكون صعبا علينا أن نضع خطة عمل ونحدد العناصر الرئيسية والمواضيع الحساسة والمهمة ونرتبها ومن ثم نشبعها بحثاً وتقصٍّ ودراسةً وتوضيحاً . بعد التوكل على الله والاعتماد والاستناد على أمهات الكتب وآراء العلماء .
أما هل الموضوع يستحق وما الفائدة ؟ .
لا شك أن الموضوع يستحق والواجب أن يكون من أولى أوليات طلاب العلم والباحثين بل الواجب أن يكون على قائمة اهتمامات المؤسسات الدينية والتعليمية والتربوية .
كشف الشبهات والرد عليها وتوضيح تهافتها وضعفها وإبراز المحاسن والجماليات في ديننا .. يعمل على اتجاهين : الأول : تثبيت المؤمنين وزيادة إيمانهم .. والثاني : تنوير وهداية المشككين والحيارى .
تخيل أن عندك لؤلؤة عظيمة أو جوهرة ثمينة .. وهي مغطاة أو مخبأة، مهما تحدثت عن جمالها للناس لن يصدقك أحد ومهما وصفت لهم محاسنها ومميزاتها لن يلتفتوا إليها ولن يقدروا قيمتها حتى تزيل عنها الغطاء وتعرضها بعد تنظيفها مما علق بها لا شك عندها أنها ستبهرهم بنورها وتأسرهم بجمالها .
هذا هو الدين الإسلامي، عظيم جدا إلى أقصى درجة تخطر على البال
جميل جدا إلى درجة تأسر العقول وتسحر الألباب وتسرق الأبصار .
إذاً سنبدأ في تجميع ( ما نثبت به فؤادك ) وسيكون على شكل حوار بين الإنسان وروحه.. وفي المقدمة التالية توضيح أكثر
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
أما بعد :
الإنسان كائن مختلف عن بقية الكائنات الحية الأخرى، مختلف في الصلاحيات الممنوحة له، مختلف في الحرية والإرادة والعقل . إنها الأمانة التي أبت من حملها السمواتُ والأرض وحمَلها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا .
في الأوراق القادمة سنستثمر هذه الصلاحيات وهذه القدرات التي منحها الله لنا ونوظفها في الفهم والتفهيم وستكون رحلتنا حسب الأبواب والفصول التالية :
ــ في معنى العقيدة وخطورتها وكيف تتشكل العقائد
ــ في الخلق والوجود والعدم
ــ كلام في الإرادة و التسيير والتخيير
ــ في حقيقة هذا الكون .
ــ مع القرآن .. المحكم والمتشابه .. وجماليات القرآن : وهذا الباب سوف يندرج تحته الكثير من الفصول منها :
المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والإعجازات اللغوية ، والإعجازات العلمية .. الخ
ــ شبهات وأباطيل عن الإسلام والرد عليها . وهذا الباب أيضا يندرج تحته الكثير من الفصول .
منها على سبيل المثال لا الحصر :
تعدد الزوجات ، وميراث الأنثى ، وحقوق المرأة ، والرقيق .. الخ
ــ جماليات الإسلام .. وهذا الباب سيأخذ الاهتمام الأكبر فعليه المدار وهو سبب التأليف وسيضم العديد من الفصول والمباحث .
أما غير ذلك :
أخي القارئ الكريم سرني جدا دخولك هنا .. كانت هذه فكرة بسيطة عن مشروع كبير جدا ( ما نثبت به فؤادك ) .. أنا بحاجة إلى كل فكرة أو رأي أو ملاحظات أو إضافات .. تثري الموضوع
هنا استطلاع .. سيأخذ منك دقائق قليلة جدا، ولا يحتاج إلى كتابة الاسم إذا لم ترغب ..
اللهم كل من شارك ( برأي أو بفكرة أو بتشجيع أو بدعوة صادقة ) اللهم اجعله شريكا في الأجر .
كتبها / حامد علي عبد الرحمن أنقر على الأسم لمعرفة المزيد عن الكاتب
أنقر هنا للوصول إلى الاستطلاع
التعليقات