• ×

10:11 مساءً , السبت 19 يونيو 1446

هل أنا سوي ؟ / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  1313
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 هل أنا سوي ؟ / حامد علي عبد الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
سلوك الإنسان أيها الأحبة وانفعالاته وتعاطيه مع المواقف المختلفة بل حتى أحساسيه ومشاعره وتفكيره ما هو إلا نتيجة سلسلة معقدة من التراكمات المعلوماتية والمعرفية والثقافية تؤثر عليه سلبا وإيجابا .. إذاً وهذه من المُسلّمات البديهية، الحصيلة المعرفية هي ما يشكل تفكير الإنسان ونفسيته وهي بالتالي ما يؤثر في سلوكه وتصرفاته .
والاستقرار النفسي والتوزان النفسي هو الغاية القصوى التي ينشدها العقلاء .
هل أنا سوي ؟ أو بمعنى آخر هل أنا طبيعي ؟
ما هو سرّ هذا السؤال ؟ ولماذا ؟
السؤال في الأصل مختلف قليلا .. السؤال المطروح .
هل هو سوي ؟ هل من يفكر هكذا أو يفعل هكذا إنسان سوي ؟
يلح هذا السؤال ويحضر بقوة عندما يفاجئك بل يفجعك أحدهم بسلوك غير طبيعي ..أو ردة فعل غير طبيعية تتجاوز كل توقعاتك واحتمالاتك كنت تراه شخصا طبيعيا وربما كنت تعتبره حكيما ومثقفا وواعيا، إلّا أن المواقف كشفته وعرّته ، وأظهرت مدى ضحالة وسطحية تفكيره، كشفت مدى (عُقديته) ، المواقف هي من يكشف السلوك والتفكير غير السوي .. والأمثلة كثيرة
مثلا :
عندما يتحسس أحدهم من قضية عادية تحسساً أكبر مما ينبغي تحسسا يجعله يفقد السيطرة على انفعالاته وعلاقاته .. يتحسس من عتب أو من سؤال أو من كلمة تحسساً مبالغاً فيه إلى درجة قطع العلاقات أحيانا .. هنا ينكشف أنه غير سوي وأن هناك خطباً ما في شخصيته .
ينكشف غير الأسوياء ..
في ظنونهم وشكوكهم وتفسيراتهم .. في خوفهم أو تخوفهم من أشياء موجودة -في العادة- في مخيلاتهم وأوهامهم فقط، ليست على أرض الواقع . ينكشفون في حذرهم الزائد في تكتمهم الزائد .. في مبالغاتهم الزائدة .
ينكشف غير الأسوياء في نفاقهم الزائد ومجاملاتهم الزائدة حتى على حساب الحق أحيانا .. ينكشف غير الأسوياء في خضوعهم وخنوعهم الزائد .
ينكشف غير الأسوياء في خجلهم الزائد .. وانطوائهم الزائد .
هذه بعض الصور التي تبين وتفصح عن غير الأسوياء وتفضح المُعقّدين .
البعض يعتقدون في أنفسهم التوازن النفسي وهم في الحقيقة يفتقدونه .. هم في الحقيقة ليسوا أسوياء ويفتقدون إلى الاستقرار النفسي .. ربما يجهلون ذلك أو يتجاهلونه ..
ربما يكون في الأمر سعةٌ وخاصة مع تلك المشكلات أو العقد النفسية التي لا تؤثر تأثيراً سلبياً كبيراً على حياة الأشخاص وعلاقاتهم ، ربما يكون في الأمر سعة إذا كان المجتمع نفسه مريضاً أو معتلاً ومصاباً ببعض العادات غير السوية .. عندها سيكون الأمر طبيعيا . لن تنكشف الأوراق .
ولكن الأمر لا يتسع إذا كان هذا الفكر أو هذا السلوك يؤثر على الفرد أو على المجتمع تأثيراً سلبياً واضحاً .. وأيضا الأمر لا يتسع إذا كان المجتمع متحضراً وواعياً .. وأقصد بالمجتمع المتحضر-وهذه ضعوا تحتها خطّاً- ( يقاس التحضر بقدر ارتفاع الوازع الديني في المجتمع )، أقول : كلما كان المجتمع متحضراً انكشف البشر غير الأسوياء .. لا كبر، لا فوقية، لا غرور، لا كذب، لا نفاق، لا تعصب ، لا تطبيل .
الأمر لا يتسع عندما يكون هناك ضرر بالنفس أو بالغير عندها سينكشف الخلل ويتضح العيب، فلا بد من مراجعة الحسابات والبحث عن العلاج .
ما يجعل الناس لا تحفل بعقدهم ومشاكلهم النفسية ولا يهتمون بها كثيرا هو اعتقادهم أن هذا الأمر لا يؤثر عليهم كثيرا، وهذا بحد ذاته إشكال نفسي فإن الهروب من المشكلة هو مشكلة أخرى .
كيف نعرف؟ وماهي العلامات ؟
ليس من السهولة بمكان أن نحدد الإنسان الطبيعي من غير الطبيعي، لعدة عوامل أهمها: النسبية، أقصد نسبة الفعل إلى الشخص ونسبة الفعل إلى المجتمع فما هو طبيعي عندك قد يكون غير طبيعي عند غيرك وما هو طبيعي في مجتمع قد يكون غير طبيعي في مجتمع آخر، ومجتمع يجيز ومجتمع يجرم .
سبق وأشرنا أن التراكمات الثقافية من المعلومات والتجارب هي ما يشكل نفسية الإنسان .
ولكم أن تتخيلوا كيف يكون سلوك الإنسان وصحته النفسية إذا كانت معلوماته متواضعة وتجاربه محدودة ( متى آخر كتاب قرأته ، ومتى آخر محاضرة حضرتها ) . كيف يكون تفكير الإنسان وصحته النفسية إذا كان لا يعرف إلا أسرته أو مجموعة ( شلة ) محدودة ، محدودة في عددها ومحدودة في تفكيرها ، لا شك في أن أفكاره أيضا ستكون محدودة ، ضعف التجارب وضعف المعلومات والخبرات هو ما يساعد على تشكيل نفسية هشة ضعيفة تنكشف عند المواقف المختلفة ( تغرق في شبر ماء ) .. وعندما أقول: معلوماته متواضعة؛ لا أقصد الشهادة العلمية فالشهادة لا تدل أبدا على الثقافة ولا على الوعي وكم شاهدنا وسمعنا أصاحب شهادات اهتماماتُهم سطحية ومعالجتهم للأمور ضيقة يعيشون أشكالاً وأنواعاً من العقد والأمراض النفسية .
أعيذها نظـــرات منك صادقـــة **** أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
كم من أكاديمي متخصص لو خرجت به عن تخصصه قيد أنملة ضاع .
بعض العقد تسبب العزلة المجتمعية .. وبعض العقد تسبب خراب البيوت وبعض العقد تسبب ألما كبيرا لصاحبها .
دعونا نغير صيغة السؤال .. هل هذا سوي ؟
هل هذا السلوك سوي ؟
حتى يكون الحكم منصفا وعادلا يجب أن نفصل الأشخاص عن الأفعال وبهذا يكون الحكم أكثر دقة، قد يكون الشخص سوياً في أغلب تصرفاته ولكن لديه فكرة واحدة أو سلوك واحد فقط غير سوي .
وهذا أيضا -أقصد فصل السلوك عن الأشخاص- قد يرفع الحرج عن البعض للبحث عن علاج لعقدهم النفسية فإن فصل الأفعال والسلوك وتسليط الضوء عليها يكشفها لنا، ويخفف على أنفسنا النظرة السلبية الكاملة .
عندما نفصل السلوك عن الشخص فصلا تاما ونضعه تحت المجهر بدون أي علائق أو مؤثرات يتضح لنا جليا ونستطيع أن نحكم عليه، وأيضا نستطيع معالجته .
وهنا ملاحظة : عندما نريد أن نحكم على سلوك لا ينبغي أن نستخدم المجتمع كمعيار للحكم عليه لأن المجتمعات ليست سوية دائما بل إن بعض المجتمعات هي السبب الرئيس في تشكيل الإنسان ليكون غير سوي.
للأسف تنتشر في الكثير من المجتمعات سلوكيات خاطئة أصبح يُنظر إليها كسلوك طبيعي رغم أنها غير طبيعية وغير سوية ، فمثلا: الكذب والنفاق والظلم وحتى انتشار المخدرات والشذوذ في بعض المجتمعات قد يبدو طبيعيا، ولذلك لا يجب الاعتماد على المجتمع في الحكم .. أيضا المجتمعات في أحيان كثيرة تكون مناهضة ومحاربة للتميز ولذلك قد يبدو بعض الأشخاص غير أسوياء في مجتمعاتهم رغم أنهم هم الأسوياء والمجتمع هو المريض .
غريبة بين أهليه طبائعه ..... إن العظيم غريب بين أهليه
أو كما قال الشاعر أبو الحسن الجرجاني :
يَقُولُونَ لِي فِيكَ انْقِبَاضٌ وَإِنَّمَا *** رَأَوْا رَجُلاً عَنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
في كل الأعمال والأفكار لا شك أن هناك نقطة هي نقطة الاستواء أو نقطة الأسوياء ، في عدم الوصول إليها خلل وفي تجاوزها أيضا خلل ..
إن السلوك غير السوي يأخذ مناحيَ كثيرة جدا .. أشهرها التناقضات التي يعيشها غير السوي .. إذا رأيت إنسانا يحمل شخصيتين فاعلم أنه غير سوي مثلا ..
يقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر .. يظهر شيئاً ويبطن شيئاً آخر .. ينتقد سلوكاً ويقع فيه .. يطالب بالمثالية وحياته متشبعة بالفوضى .. يتحدث عن الأخلاق وهو أكبر عدو لها .. وهكذا .. هذا مريض ويحتاج إلى علاج
مثلا ..
صاحب دين وصلاح -في الظاهر طبعا فلا يعلم بالسرائر إلا خالقها- .. ثم تجده يتحيز أو يتعصب لفكرة خاطئة تماما تعصبا يخرجه عن التوزان إما لمصلحة شخصية أو لعلاقة شخصية .. ( أين ذهب الدين ، أين ذهب المجتمع ) هذا التناقض يكشف لنا أن هذا الشخص ليس سويا وأن لديه خللاً نفسيا .
ومثلا :
صاحب دين وصلاح -في الظاهر- .. ولكنه سليط لسان أو يكثر السخرية من الآخرين .. أو شكاك أو .. يكذب .. أو متكبر أو متعالي ... أو منافق إلخ ، هنا ينكشف القناع ويتضح لنا أنه غير سوي.
أحيانا يكون الفرق يسيراً والخلل معقولاً والفتق صغيراً بين السوي وغير السوي يمكن رتقه ولكن في أحيانٍ كثيرة يكون ( الشق أكبر من الرقعة )
نظرة سريعة على حسابات المسؤولين في تويتر أو وسائل التواصل الأخرى أقصد الرد على التغريدات والهشتاقات والسنابات وما شاكلها تصاب معها بالغثيان من قوة النفاق والمجاملة .
نظرة سريعة على بعض المقالات وبعض التعليقات لبعض الكُتاب تصاب بالغثيان من قوة النفاق والمجاملة ..
كنوز الأرض ومناصب الدنيا وكل المكاسب لا تعني شيء وتساوي صفر أمام لحظة ذل أو خضوع أو تملق أو نفاق .
المنحنى الرئيس الثاني الذي تأخذه شخصية الإنسان غير السوي .. الإدمان .. طبعا لا نقصد إدمان المخدرات .. هناك نوع آخر من الإدمان خطير وهو ما يكشف شخصية الإنسان غير السوي .
مثلا ..
شخص تجاوز الأربعين ومسؤول عن أسرة وربما يكون متعلماً ثم تجده يرضخ أمام إحدى العادات السلبية ، أنا لا أتصور إن هناك إنسان سوي مثلا يعلم أن الدخان والشيشة حرام ومضرة ( دينيا ، وصحيا ، وماليا ) ثم يرمي بنفسه إلى التهلكة ، هذه ليست من سمات الأسوياء .. أيضا ليس سويا من أدمن النظر إلى مقاطع الحرام في أي صورة من صورها .. ليس سويا من يسهر إلى الفجر وينام طوال النهار ، ليس سويا بل ليس مسلما من ينام عن الصلاة ..
هذه السلوكيات ربما نغتفرها للمراهقين والشباب الصغار ، أما من تجاوز الأربعين فلا عذر له . فكيف إذا بمن تجاوز الخمسين وربما الستين وهو يجتر ويداوم على إحدى هذه العادات .. هذا ليس سويا أبدا .. إنه مريض ويحتاج إلى علاج وربما إلى إعادة تأهيل .

كانت مجرد خاطرة الهدف منها أن نراجع حساباتنا ونعيد ترتيب أورقانا فإن أحسنت فمن الله وإن كانت الأخرى فمن نفسي والشيطان .

كتبها / حامد علي عبد الرحمن

وهنا بعض المقالات ذات صلة بالموضوع ..

فقاعة الدكتوراه .. التضخم الورمي .. الوهم الثقافي .. صديقي ومعالي الدكتور ضيف صديقه .. / حامد علي عبد الرحمن


سطوة العقدة النفسية وهيمنة اللاوعي واستحواذ العقل الباطن / حامد علي عبد الرحمن


فلسفة الخطأ والصواب / حامد علي عبد الرحمن

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 10:11 مساءً السبت 19 يونيو 1446.