الله يكلمني .. محاولة لقراءة أعمق / حامد علي عبد الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية وحتى لا يُفهم عنوان المقالة فهما خاطئاً .. نذّكر بقوله تعالى : وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ .
إذا فالكلام الذي نقصد ليس بالكلام المباشر .. فالكلام المباشر مستحيل حسب الآية السابقة .. نقصد بكلام الله لنا التواصل والاتصال الذي يحدث بين العبد وربه .. فالله عندما خلق العباد لم يتركهم هكذا هملا، هناك وسائل اتصال مع عباده ولا أبالغ أذا قلت أن الله جل وتبارك وتعالى -وهذا من تمام عدله ورحمته- خاطب كلا منّا مخاطبة مستقلة وفردية وبطرق وأشكال مختلفة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها .
قبل أن نستفيض في شرح هذا المفهوم ..
نوضح أمرا ربما لم يلتفت إليه الكثير وهو أن الله وكنه الله وماهية الله لا يعرفها أحد لا ملك مقرب ولا نبي مرسل .. فلا يدركه بصر ولا يحيط به فهم ولا يتخيله وهم . الله جل جلاله هو الباطن بقربه من الأشياء واتصاله بها وهو الباطن بخفائه عنها في ذات الوقت .
الله ( وهذه حقيقة عظيمة فوق مستوى إدراك العقل البشري ) أقول : الله حاضر في كل مكان وفي كل زمان ومع كل أحد ليس مع الأحياء فقط بل وحتى مع الجمادات .. الله حاضرا في تكوين كل شيء .. في الأنسجة و الخلايا وفي الجزئيات والذرات بل حتى في البروتونات والنيترونات والإلكترونات ..
هذا هو الله، قوي فوق مستوى إدراك العقل .. عليم فوق مستوى إدراك العقل
مهيمن فوق مستوى إدراك العقل .. قيوم فوق مستوى إدراك العقل .
قريب فوق مستوى إدراك العقل البشري ..
كيف ومتى كلمني الله ؟
الله لم يخصني أنا وحدي بهذا الفضل بل أنت كذلك .. إن هذه الخاصية لجميع البشر بل لجميع الموجودات في السموات والأرض ... أمّا تلمّس ذلك والإحساس به وسماعه فيختلف من كائن إلى آخر .. ( وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ )
كتبت مرة مقالة عن الكرامات وذكرت فيها أن عباد الله جميعا لهم كرامة عند الله .. كل له كرامته الخاصة به وهذا من عدل الله .. هذا في الأصل .. ولكن هناك من يعلمها ويشعر بها ويحسن قراءتها ويستفيد منها ويستغلها.. فتنقله من حال إلى حال .. إن كان مذنبا تاب وإن كان مقصرا استدرك وهناك للأسف من هو على النقيض تماما .. يكرمه الله غاية الكرم ولكنه لا يشعر بتلك الكرامات ولا يستفيد منه .... قال الله تعالى عن هؤلاء : خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ .
عندما خلق الله أبانا آدم نفخ فيه من روحه ثم انتقلت روح الله في كل ذريته .. إذا في كل واحد منّا من روح الله .. أمر عظيم جدا أن يكون فيك نفحة من روح الله .. وهذه الروح من أقوى الروابط التي تتيح للإنسان التواصل مع الله في أي وقت شاء ومتى شاء . الله منحنا هذه الخاصية .. أضاعها الكثير للأسف .
وهنا توضيح :
( روح الله التي نُفخت في أبينا آدم من خلق الله وليس مقصود منها الحلول والاتحاد أو ما شاكله من مصطلحلت الصوفية كوحدة الوجود أو غيرها ) ولكنها روح عظيمة هي سر الحركة وسر التفكير وسر الإيمان وسر العقل وسر الحياة ..
لكل شيء في هذا الوجود قصة وأحداث ( سيناريو ) محددة ومكتوبة بدقة عجيبة مكتوبة له وحده شخصيا .. لا يوجد حدث في هذا الكون عشوائي ولا يوجد في هذا الكون شيء اسمه صدفة ..
أنت تعيش قصتك الخاصة ، أنت البطل وكل من في هذا الكون في خدمتك وكل الأحداث مصنوعة بعناية فائقة لك وحدك .
هذه الأحداث يتداخل فيها الخير والشر والتسيير والتخيير والهداية والضلال والفرح والحزن والقوة والضعف وتتداخل الإرادة الحرة والجبرية .. ورغم تقاطعها مع حياة الآخرين إلا إنها موضوعه بعناية لك أنت وحدك .
الأحداث هذه مليئة بالكلمات والرسل .. فإن كان الله قد كلم موسى تكليما ، فإنه أيضا كلم فرعون مرات ومرات .. كلّمه عن طريق موسى وهارون وكلّمه عن طريق الآيات الواضحات التي أرسل بها موسى عليه السلام ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ ) وكلّمه عن طريق السحرة .. الخ كلها رسل وإنذارات وهي طريقة من طرق كلام الله للبشر .
جاء في الآية التي بدأنا بها المقال .. أنواع وطرق مكالمة الله لعبادة ..
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ . ثم قال تعالى في الآية التي بعدها
وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ...
ولنقف عند هذا المثال وهو إحدى الطرق التي يكلمنا الله بها ..
هذا الكتاب أقصد القرآن الكريم أليس كلام الله .. وأليس موجها لنا جميعا .. إنه خطاب الله لنا .. في كل آية من هذا الكتاب خطاب وكلام موجه لي ولك ولنا جميعا ..
ومن العمى والجهل الذي يصاب به البعض .. أنه إذا نزل إلى الأسواق كتاب لمؤلف مشهور يتسابق الناس لشرائه واقتنائه ومن ثم قراءته وتأمله .. والحديث عنه .. الخ .. ثم يكون بين أيدهم كتاب عظيم .. كتاب من الله جل جلاله خالق الأكوان .. كتاب فيه من الأسرار والعجائب ما فيه .. كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .. كتاب لا ريب فيه .. ولا يتأملونه ولا يتدبرونه ولا حتى يقرؤونه .
لماذا البعض يبكي عند سماعه ..
وأنت .. لا ؟
لماذا البعض يتزلزل عند سماعه ..
وأنت .. لا ؟
لماذا البعض يتعلمه ويتفهمه ويتأمله ..
وأنت .. لا ؟
هل سألت نفسك هذا الأسئلة ؟
كم مرة سمعت الله ينادي .. يا أيها الذين أمنوا .. يا أيها الناس .. يا أيها الإنسان .. لماذا نتصامم .. أليس هذا خطاباً .. أليس هذا كلام الله موجه لنا ..
هذه إحدى صور كلام الله المباشر لي ولك ..
وأيضا .. تنام .. فترى رؤيا واضحة وتأتي صريحة بأشخاصها ودلالاتها كأنها الشمس في رابعة النهار .. ماذا يعني لك ذلك .. أليست هذه رسالة لك شخصيا .. أليست خصيصة لك، أليس خطابا لك .. أليس كلاما لك .. ليست صدفةً أو حدثاً عشوائياً، إن الله يكلمك ويخاطبك وحدك
وأيضا : يتيقظ الإيمان وقت الشدة .. تمرض .. يمرض ولدك .. تمر بأزمات وهموم ومصائب .. فتسمع صوتاً بداخلك يقول: ليس لها من دون الله كاشفة .. تلجأ إلى الله تناجيه وربما تبكي وتتوسل .. أليست هذا رسالة لك شخصيا أليست خصيصة لك وحدك . ليست صدفة أو حدثاً عشوائياً، إن الله يكلمك ويخاطبك وحدك ..
وأيضا .. تسمع قصة أو خبراً فيه موعظة وعبرة وربما تتقاطع أحداث هذه القصة مع جزء من أحداثك .. أليست رسالة لك ( العاقل من اتعظ بغيره ) .. ليست صدفة أو حدثاً عشوائياً، إن الله يكلمك ويخاطبك وحدك .
وأيضا .. تتلقى عشرات الرسل والإنذارات منها ماهو مباشر ومنها ما هو غير مباشر .. ليست صدفة أو حدثاً عشوائياً، إن الله يكلمك ويخاطبك وحدك
وأيضا ..
ألم تقترب من الموت .. مرات ومرات .. وألم تحس بالألم مرات ومرات ..
ليست صدفة أو حدثاً عشوائياً، إن الله يكلمك ويخاطبك وحدك .
في عطاءاته وإحسانه كلام كثير موجه لك وحدك
في ابتلاءاته وحرمانه كلام كثير موجه لك وحدك
في المواقف والأحداث والمخلوقات من حولك كلام كثير موجه لك وحدك
فقط أنصت بقلبك وفكر بعقلك حتما ستسمعه .
في النداء إلى الصلاة كلام كثير موجه لك وحدك
في صرخات المحرومين كلام كثير موجه لك وحدك
في شطحات الملحدين كلام كثير موجه لك وحدك
في ضلالات المضلين .. في ضعف العاجزين .. في بكاء التائبين ..
كلام كثير موجه لك وحدك ..
في عذابات الضمير كلام كثير موجه لك وحدك
لا يوجد شيء في قصة حياتك حدث صدفة أو بشكل عشوائي .
ثم ماذا بعد
ثم تنتهي حياتك .. حياتك أنت وحدك .. ثم يأتي الحساب .. حسابك أنت وحدك .. ثم ينشر سجلك وتعطى كتابك .. سجلك أنت وحدك وكتابك أنت وحدك .. ثم ماذا ..
ثم إن لم تكن محسنا تطلب العودة لتعمل صالحا .. فيقال لك .. أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ..
النذير هو كل ما مر عليك .. النذير هو الأحداث والمواقف .. النذير هو كلام الله الذي لم تسمعه ولم تنصت إليه . ولم يؤثر فيك .
كانت مجرد خواطر وأفكار أحببت أن اتشاركها معكم .. فإن أحسنت فمن الله وبتوفيق الله وإن كانت الأخرى فعزائي اني لم أكن أريد إلا الله .
كتبها / حامد علي عبد الرحمن
التعليقات