• ×

09:28 مساءً , الإثنين 28 يونيو 1446

الناس اعداء ما جهلوا / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  2814
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 الناس أعداء ما جهلوا .. سنتحدث اليوم عن هذه الحكمة أو عن هذه القاعدة الذهبية إذا صح التعبير التي تكشف لنا سبب تأخر الأمم ... وهي تعني باختصار كبير .. أن الجهل ليس سببا رئيسيا في عدم التقدم فقط .. بل إنه سبب رئيس في التخلف والتأخر سبب إلى الرجوع الوراء .
وهي قاعدة عريضة جدا .. تنطبق على كل مناحي الحياة تقريبا بدون استثناء .. النواحي الدينية والاجتماعية والصحية والصناعية وحتى الزراعية ..
فعلى سبيل المثال .. في الدين مثلا .. عندما بعث النبي صلى الله عليه وسلم .. عاداه قومه وحاربوه و طاردوه لأنهم جهلوا الحق الذي بعث به .. لم تستوعبه عقولهم الضيقة ولم تتفهمه قلوبهم القاسية ولم تستسيغه طبيعتهم المتخلفة .. ولم يكتفوا بعدم قبوله بل قعدوا له كل مرصد وكادوه بكل الوسائل ..
وفي العادات الاجتماعية هناك أمور مخجلة ظالمة توارثها الناس أباً عن جد .. انظروا إلى ما كان يحدث في بعض المجتمعات بل انظروا إلى ما يحدث الآن في بعض المجتمعات المتخلفة .. وأيضا في العادات الصحية .. كم من مريض زادت علته بسبب الجهل بل كم من مريض فقد حياته بسبب الجهل .. أما في مجال الصناعة والزراعة فحدث ولا حرج .. الجهل جعل الكثير من المجتمعات تحارب التطور التقني فرفضوا استخدام الوسائل الحديثة في صناعاتهم وأمور حياتهم .. لأنهم جهلوا أهميتها وفائدتها وربما طريقة استخدامها فحاربوها وتصدوا لكل ما هو جديد وما ذاك إلا لجهلهم به .. فبقوا يرضخون في قيود المعاناة والحرمان ..
و الحرمان صور من صور العقاب الرباني إنه ضريبة محاربة التطور ..
والشواهد والأمثلة كثيرة جدا لو ذهبنا نتقفاها لطال بنا المقال .. منها مثلا .. عادات البناء .. عندما ظهرت الخرسانة والبلوك الحديثة حاربها الكثير من الناس في تلك الفترة ولم يرضوا أن يبنوا منازلهم بها .. لقلة ثقتهم في جودتها .. يقول أحدهم : جدي رفض رفضا تاما أن يبني بيتنا بالطوب وأصر على أن نبينه بالحجر ولم يقتنع إلا بعد أن بنى أهالي القرية كلهم بيوتهم بالطريقة الحديثة يقول ولذلك بقينا نعاني في بيتنا القديم المبني من الحجر سنوات طويلة .. ومن أغرب ما يحكي في هذا المجال أن بعض كبار السن عندما ظهرت البيوت الحديثة رفضوا أن تكون دورات المياه أجلكم الله داخل البيت كانوا يعتبرون ذلك عيبا .. وحاربوا قبلها طرق السيارات .. وحاربوا الجوال .. بل حاربوا المدارس والتعليم وخاصة تعليم البنات .. وغيرها .. الناس أعداء ما جهلوا ..
يقول أحد الأخوة .. اشتريت لجدي رحمه الله ملابس داخلية قطنية مريحة وساترة وتوفي رحمه ولم يلبسها .. ويقول أخر فقد جدي بصره لأنه لم يراجع المستشفيات لعدم ثقته فيها .. ويقول أخر إمام قريتنا رغم أنه كان معلما .. كان لا يعترف بالتجويد ولا يفرق بين المنصوب والمرفوع .. كان يعتبر ذلك تكلفا .. وعندما أتينا بمعلم لتحفيظ القرآن حاربه وكان سببا في اقفال حلقة القرآن ..
الناس أعداء ما جهلوا ..
عندما لا نعرف قيمة الشيء .. لا شك أننا لن نهتم به وسوف نهمله وهذا ربما يكون وضعا طبيعيا ولكن أن نحاربه ونتصدى له فهذا يعني زيادة في الجهل .. أو جهل مركب إذا صح التعبير ..
الناس أعداء ما جهلوا
لا يعرف قيمة الذهب الحقيقي .. إلا الصائغ .. ولا يعرف نوعية العسل الأصلي إلا النحال المتمرس .. وراعي الغنم لا يعرف قيمة الكمبيوتر والحاسب الآلي .. وهكذا .. لا يقدّر الشيء .. إلا من كان عالما به مدركا لأهميته ..
وتمتد هذه القاعدة لتغطي كل النواحي كما أشرنا .. ومن يقرأ ومن يكتب ومن يحمل شهادة لا يعني أن يكون عالما .. ربما يكون الإنسان عالما هنا وجاهلا هناك .. وكثيرا ما يحدث ذلك ..
في الدين مثلا .. من لا يعرف أهمية الصلاة وأثرها لا يهتم بها ومن لا يعرف أهمية صلاة الجماعة وحكمها لا يحرص عليها .. ومهما حاولت إقناعه لا يقتنع .. وربما ينظّر ويفتي ويحدّث عن حكم صلاة الجماعة وأنها ليست واجبة .. هذا هو الجهل المركب الذي أشرنا إليه .. و من الجهل المركب المنتشر هذه الأيام .. الجراءة على التحليل والتحريم .. الجراءة على الطعن في العلماء .. الجراءة والتساهل في إقامة الفرائض .. لا يكفي الواحد منهم تقصيره بل يتعدى ذلك إلى التسويق للباطل بدون علم .. سمعنا من يقول أن صيام الست من شوال ليست سنة .. وسمعنا من يشجع ومن يدعو إلى كشف وجهه المرأة واختلاطها وتبرجها .. وماذا ذاك إلا لجهلهم ..
جهلوا الحكمة من الصيام وفضله وأجره .. وجهلوا الحكمة من الحجاب .. وجهلوا الحكمة من صلاة الجماعة فعادوها .. ودعوا لمخالفتها ..
الناس أعداء ما جهلوا ..
قال تعالى في حق كل من يدعو إلى سنة سيئة أو يحارب سنة حسنة أو يعطل مصالح المسلمين :
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
الناس أعداء ما جهلوا ..
إذا فالجهل هو العدو الأول للتطور والتقدم .. هو العدو الأول للتعليم والتونير .. بل هو العدو الأول لكل ما هو جميل ونافع ..
كم من مشروع تعطل بسبب الجهل وكم من مصلحة للمسلمين تعطلت بسبب الجهل
وربما يعيش الإنسان .. ألم الحرمان .. ألم التخلف .. بسبب الجهل ..
الإشكال ليس في عدم القناعة بالحق فقط كما أشرنا .. الإشكال الأكبر والمصيبة الأعظم في معادته .. إذا لم يقتنع الإنسان بالحق واكتفى بذلك .. ووقف عند ذلك فهذا شأنه وهذا أقل خطر فضرره لم يتعد إلى غيره وهنا المشكلة معقولة ..
الإشكالية الكبرى تكمن في الدعوة إلى الباطل .. والتنظّير له والتسويق له .. الإشكالية في معارضة ومحاربة التطور والتقدم ..
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ
الناس أعداء ما جهلوا ..
الغريب أيها الأحبة .. أننا لو ذهبنا لمناقشة هؤلاء .. لوجدنا عندهم قناعات ومفاهيم راسخة .. كفار قريش عندما حاربوا الرسول صلى الله عليه وسلم .. كان عندهم قناعاتهم ومفاهيمهم .. بل أنهم فرحين بانتصارهم وصبرهم وثباتهم رغم أنهم على باطل .. قال تعالى على لسانهم .. إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا ۚ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا .. فهم يرون أنهم على حق رغم أنهم على الباطل ..
والرجل العجوز الذي يرفض الذهاب إلى المستشفى للحصول على العلاج .. عنده قناعاته هو الآخر أيضا .. وذلك الرجل الذي اعترض على التعليم أو على فتح طرق للسيارات لو ناقشناهم لو جدنا عندهم أسبابهم وحيثياتهم وأفكارهم أيضا ..
ولكن هذه الأفكار .. مبنية على معلومات ضئيلة متواضعة .. انتجت.. قرارات خاطئة .. هؤلاء لم يحصلوا على معلومات كافية فجهلوا أين يكون الحق .. فعادوه واعترضوا عليه . وما ذاك إلا لعدم وضوح الرؤيا عندهم ..
ولعلنا نختم بقصة هذا الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو فهي أبلغ شاهد على ما نقول وهي تكفي لمن ألقى السمع وهو شهيد .. يروي لنا كيف أسلم فيقول : كنت رجلاً شاعراً سيداً في قومي فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش فقالوا : يا طفيل إنك امرؤ شاعر سيد مطاع في قومك وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه فإنما حديثه كالسحر فاحذره أن يُدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا وعلى قومنا فإنه يفرق بين المرء وابنه وبين المرء وزوجه وبين المرء وأبيه فوالله ما زالوا يحدثونني في شأنه وينهونني أن أسمع منه حتى قلت والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني قال : فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفاً ثم غدوت إلى المسجد فإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائماً في المسجد قال : فقمت منه قريباً وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله . قال : فقلت في نفسي : والله إن هذا للعجز والله إني امرؤ ثبت ما يخفى علي من الأمور حسنها ولا قبيحها والله لأستمعن منه فإن كان أمره رشداً أخذت منه وإن كان غير ذلك اجتنبته فقلت بالكرسفة فنزعتها من أذني فألقيتها ثم استمعت له فلم أسمع كلاماً قط أحسن من كلام يتكلم به. قال: قلت في نفسي يا سبحان الله ؟ ما سمعت كاليوم لفظاً أحسن منه ولا أجمل . قال : ثم انتظرت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى انصرف فاتبعته فدخلت معه بيته فقلت له : يا محمد إن قومك جاءوني فقالوا كذا وكذا فأخبرته بالذي قالوا وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول وقد وقع في نفسي أنه حق وإني شاعر فاسمع ما أقول. فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- : هات. فأنشدته. فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: وأنا أقول فاسمع. ثم قرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) إلى أخر السورة ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) إلى آخرها و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) إلى آخرها وعرض علي الإسلام فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت .
أيها الأحبة : قبل أن نحكم على أي موضوع أو قضية وقبل نقول رأينا فيها وقبل أن نحاربها ونتصدى لها يجب أن يكون عندنا فكره كاملة ومعلومات وافية .. ثم بعد ذلك يجب أن نستخدم عقولنا لا عقول غيرنا في الحكم على الأشياء .. نحن لدينا عقول لا يجب تعطيلها .. حتى لا نرتكب خطأ جسيما .. القول بغير علم في أحيانا كثيرة ينتقل بالإنسان من مرحلة الضلال إلى الإضلال .. والإضلال هو توصيل معلومات خاطئة مضللة غير صحيحة للناس .. وبهذه يتعدى الضرر ليصل إلى المجتمع ويتعدى ليستمر فترة أطول حتى بعد موت الإنسان .. يكون عليه وزره وإثمه إلى يوم القيامة ..
كما قال تعالى :
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ .

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:28 مساءً الإثنين 28 يونيو 1446.