حوار مع صديقي الممسوخ / حامد علي عبد الرحمن
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد
قبل البدء .. ماذا نقصد بــ "الممسوخ" الذي ورد في العنوان .
المسخ / هو التحوّل عن الأصل تحولاً لا إلى الأفضل بل إلى صورة قبيحة ومشوهة .. هذا في اللغة أما في الاصطلاح وهو ما اقصده هنا : الممسوخ هو المتأثر بالثقافات الأخرى حد الغرق فيها وحد التقمص والاستلاب .. ( ترك أصله تقليدا لغيره فأضاع أصله ولم يستطع أن يكون الآخر ) فأنتج لنا مسخا حقيقيا .. في الشكل وفي الفكر والمعتقد ..
بعد غياب دام سنوات جمعتني بصديقي هذا الذي اتحدث عنه جلسة عابرة عند أحد الأصدقاء ( مناسبة ) .. لم أعرفه في البدء .. كان شكله مختلفا تماما .. ( حليق الشارب واللحية في قصة غريبة للشعر، وملابس مختلفة أيضا ).. شكله أقرب ما يكون إلى المتحولين ؟؟ !! .. فقط يحتاج (شوية مكياج مع عباءة بعدها ستجد صعوبة في التفريق ) وياليت الأمور بقيت على الشكل ( فالشكل والمظهر الخارجي أهون ما يكون ) .. لكن باطنه أيضا تغير .. عند الحديث معه وجدته مغسول الدماغ متأثراً حد التلبس ، أفكاره غريبة وشاذة ..
ليس هو من أعرفه .. شكله تغير .. انتماؤه تغير .. أفكاره تغيرت .. دينه تغير .. حتى غيرته للأسف نُزعت منه .. لم يعد يغار على أمه أو اخته أو زوجته ...
تناقشنا في أمور كثيرة جدا وكان واثقا من نفسه ومن كلامه .. مغرورا ببعض المصطلحات التي حفظها وببعض الإحصائيات التي دُست إليه ..
في البداية لم يكن نقاشنا علميا .. كان جدالا .. من كلينا .. كان كل منا يسعى لتفريغ ما في جعبته من أدلة وبراهين .. فكان لا بد من وضع حد لهذا الجدل (البيزنطي) .. ولا سيما أن أصواتنا بدأت ترتفع .. وتزايد عدد المتابعين من الجالسين لحديثنا .. فقلت لصاحبي هذه الطريقة لا تنفع .. دعنا نتناقش نقاشا علميا هادئا , تتحدث أنت وأستمع أنا أو العكس مع الاتفاق على أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية .. وأن التقدير والاحترام يبقى بيننا مهما كان الاختلاف .. وافق صاحبي على الفكرة ورحب بها ..
قلت له .. تفضل ابدأ الحديث أنت .. وأنا استمع .. قال بل تفضل أنت ..
قلت :
هل الخلاف عقائدي ؟ .. بمعنى ..
هل لا زلت مسلما تؤمن بوجود الله وبالرسول صلى الله عليه وسلم .. أم أنك تراجعت عن الإسلام ؟
قال : وما الفرق ؟
قلت : الفرق كبير جدا .. كيف نستدل بالقرآن والسنة لرجل لا يؤمن بها ..
قال اتق الله يا شيخ .. أنا مؤمن أكثر منك ..
قلت وهذا مما يسرني ويسعدني .. إذاً عندما نقول قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم .. يجب أن نتوقف .. جميعنا .. أنا وأنت .. بدون مكابرة ، يجب الا تأخذنا العزة بالإثم بعد قول الله ورسوله ..
قال : المشكلة في فهم ما قاله الله وقاله رسوله صلى الله عليه وسلم ..
قلت : نحن عرب .. ونتحدث العربية .. ولن يُشكل علينا فهم ما قاله الله ورسوله .. وحتى تكون مطمئنا .. لن نأخذ إلا ما كان صريحا واضحا وفي حالة الاختلاف سوف ننتقل إلى العقل والمنطق .. فالدين لا يختلف مع العقل والمنطق إطلاقا .. ولنبدأ الآن .. كسبا للوقت .. اختر القضية التي تُشكل عليك واطرحها للمناقشة ..
قال : الا ترون أنكم وظفتم النصوص الدينية في التضييق على المرأة .. الحجاب .. والعمل .. والاختلاط .. والميراث .. وقيدتموها بمحرم لا تغادر ولا تسافر إلا بوجوده ..أليس هذا تسلط ذكوري و أين العدالة في هذا .. الدين أوسع من ذلك والنصوص التي تستدلون بها ليست صريحة ..
قلت : مهلا .. أرجو الدقة .. وعدم كيل الاتهامات هكذا جزافا .. وقبل الجواب .. يجب الاقرار بنقطة اساسية .. حول تركيبة المرأة .. ولذلك أرجو الرد على هذا السؤال منك ومن الحاضرين .. ومن القراء الكرام بصدق ووضوح .. رغم إن الإجابة وردت في القرآن .. ولكن نوردها هنا للتقرير والتأكيد ..
هل الذكر .. مثل الأنثى .. قال تعالى : وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ
اعتقد هذا نص صريح .. لا يحتاج إلى كثير جدل ..
الإجابة .. بـــــ لا .. ليس الذكر كالأنثى .. في اشياء كثيرة .. أهمها .. تركيبتها الجسدية وضعفها وعاطفتها .. وهذه اعتقد أننا متفقون عليها جميعا .. ووفق هذه الجزئية أرجوكم تخيلوا معي .. ولتكونوا منصفين ..
لو كانت الحياة مثل الغابة .. يولد المولود سواء ذكرا أو أنثى .. ولا يرتبط بدين ولا أسرة ولا مجتمع .. ومطلوب منه أن يعيش .. ويخرج بمفرده يبحث عن لقمة العيش .. ولأن الفتاة مثلها مثل الرجل ستضطر أن تخرج للبحث عن لقمة العيش .. كيف سيكون حال تلك الفتاة الرقيقة الضعيفة العاطفية مع ذلك الوحش الذكري .. هل تستطيع أن تحمي نفسها بمفردها .
أرجو الإجابة بصدق أقلها مع أنفسكم ..
الجواب : مستحيل أن تحمي نفسها .. وإن استطاعت واحدة لتركيبتها المختلفة فسوف يضيع العشرات من الفتيات لضعفهن ورقتهن .. سوف تضحي بكرامتها وعزتها لتعيش .. سوف تكون غرضا وهدفا .. للوحوش البشرية .. إلا ..
إلا .. هنا استثناء مهم جدا .. إلا .. إذا وجدت من يدافع عنها من الأقوياء ..
تعدو الكلابُ على مَنْ لا أسودَ لهُ وتتقي صولة المستأسد الضاري كان هذا الاستطراد لإثبات أن المرأة .. تحتاج إلى قوة تقف بجانبها .. حاجة غريزية فطرية .. وهذا يعلل الحاجة إلى وجود المحرم في السفر ..
ليس تنقيصا أو تحجيما أو إهانة.. ولكن صيانة ودفاعا وكرامة ..
ثم ننتقل إلى عمل المرأة
من قال أن عمل المرأة حرام .. لم يقل بذلك أحد لا من الأولين ولا من الآخرين .. ولكن بشروط تضمن حقوق المرأة وسلامتها .. وأؤكد هنا على كلمة ( سلامتها ) .. فكل تشريعات الدين الإسلامي التي تخص المرأة والتي يراها البعض تخلفا ما هي إلا حماية للمرأة وصيانتها ..
أيضا الاختلاط .. من قال أن الاختلاط محرم هكذا على الإطلاق .. هناك حالاتٌ الاختلاط فيها ضرورة .. في السوق مثلا أو في المستشفيات .. أو الشارع .. فالمرأة شريكة الرجل ولا يمكن فصلهما عن بعض .. ولكن بشروط .. أولها .. عدم الخلوة .. ثانيها .. عدم التبرج والسفور .. ثالثها الحاجة ..
بقي عندنا من أسئلتك .. الحجاب .. والميراث
أما الحجاب : فورد فيه أدلة صريحة من القرآن والسنة ولكن البعض فسرها بطريقته .. وحتى نقطع عليه الطريق ننتقل إلى العقل والمنطق في إثبات ما اُختلف عليه حسب اتفاقنا ..
إحدى الآيات وردت في الحجاب قوله تعالى :
وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ
إذا كن نساء النبي صلى الله عليه وسلم .. والصحابة .. وهم .. وهن .. اطهر البشر .. طلب منهم عدم الحديث المباشر بدون حجاب .. والحجاب يعني الستر .. يعني الغطاء .. يعني منع الرؤية .. هذا لمن يعرف العربية .. اسألكم بالله فكيف بنا نحن .. الله يقول أطهر لقلوبكم .. وهم الصحابة
ونحن نقول : لا .. نحن فوق مستوى الشك .. هذه مثل أختي وهذه مثل أمي وهذه مثل بنتي ..
الله أصدق أم أنتم .. الله يقول أطهر لقوبكم وقلبوهن .. ونحن نزكي أنفسنا ونقول نحن طاهرون
ثم .. ما هو أخطر شيء في المرأة .. وأين ينظر الخاطب إذا جاء ليخطب
إنه وجه المرأة .. مكمن الجمال والفتنة .. لو كان جائزا الكشف لما سُن للخاطب النظر إلى مخطوبته ..
ثم .. لم نسمع رجلا تغزل في عباءة .. بينما سمعنا من يتغزل في العيون و الخدود والفم والابتسامة والاسنان ..
ثم .. إن هناك نقطة مهمة وهي من اساسيات الدين الإسلامي المتفق عليها .. ألا وهي .. إن فتنة المؤمنين لا تجوز ومحرمة شرعا .. فمتى كانت المرأة فاتنة وجميلة ويخشى على الناس الافتتان بها ... لا يجوز لها كشف وجهها أمام الرجال الاجانب إطلاقا هذا على المذاهب الأربعة ..
ننتقل إلى الميراث .. لن اتحدث عن أنواع الميراث وأن المرأة في حالات كثيرة ترث أكثر من الرجل .. سأتحدث عن الضمانات التي قدمها الإسلام للمرأة والتي تعادل في قيمتها وتربو في فائدتها على أي ميراث في الدنيا إنه تأمين مدى الحياة ..
أول الضمانات .. النفقة .. فالإسلام ضمن لها من ينفق عليها فالرجل هو الذي ينفق ليس فضلا منه ولكن واجبا عليه وبهذا وفر لها لقمة العيش الكريمة .. الإسلام أيضا ضمن لها من يدافع عنها ويصونها فالرجل هو الذي يحارب ويقاتل ويدافع ..
( أعطِ الرجل هذه الضمانات أي رجل في الدنيا وخذ كل الميراث .. )
لوى صاحبي عنقه وكأنه ليس مقتنعا تماما .. ولكن ليس لديه ما يقول .. فنقل الحديث إلى موضوع آخر ..
قال : أين الآيات التي وردت بوجوب صلاة الجماعة في المسجد .. هذه رهبانية ابتدعتموها من عند أنفسكم .. ( عقدتم الناس يا شيخ )
قلت : وأين ورد عدد الركعات وتفاصيل الصلوات في القرآن .. ثم أتعدني إذا أوردت لك آية من القرآن الكريم توجب صلاة الجماعة أن تلتزم بصلاة الجماعة في المسجد من الآن فصاعد .. قال : إن شاء الله .. وهذا إن اقنعتني ..
قلت : لن اتحدث عن حديث حرق المسجد على المتخلفين عن صلاة الجماعة .. ولا عن عدم الرخصة للأعمى بالصلاة في البيت .. رغم أن كل ذلك ورد في أحاديث صريحة صحيحة .. سأورد آية واحدة فقط .. تكفي لمن ألقى السمع وهو شهيد ..
من المسلمات في هذا الباب أنه ما لا يسقط في حال الجهد والتعب والنصب والخوف .. لا يسقط في حال الأمن .. هذه مسلمة ويمكن اعتبارها قاعدة فقهية ..
قال : هذا شيء طبيعي ..
قلت : قال : الله تعالى : إِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ
هذا الوضع في حال الحرب .. أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالصلاة جماعة بالمؤمنين .. ولو كانت الصلاة جائزة فرادى لكانت جائزة في هذه الحالة والمسلمين في أمس الحاجة إلى أن يصلي كل واحد منهم بمفرده ويؤخر ويقدم بالشكل الذي يراه ..
ثم أننا نأخذ ديننا عن النبي صلى الله عليه وسلم .. والنبي بعد أن فُرضت عليه الصلاة .. لم يصل فرضا واحدا منفردا .. لا في حضر ولا في سفر .. وتبعه بعد ذلك الصحابة والتابعين .. أليس لنا في رسول الله قدوة حسنة
سنوات وعشرات بل مئات الفروض صلاها النبي صلى الله عليه وسلم صلاة جماعة .. ولم يصل فرضا واحدا منفردا ..
ثم يأتي بعد ذلك من يقول .. لا بأس بالصلاة في المنزل أو منفردا بدون عذر وبدون سبب .. أين ذهب قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله .. أليس هو من نأخذ عنه ديننا .
ثم تخيل أن كل إنسان صلى في بيته أو بمفرده .. سوف تتعطل المساجد .. وإذا تعطلت المساجد .. تعطل التواصل والاتصال بين الناس .. المسجد حلقة وصل .. وهو يقوم برسالة عظيمة جدا في التواصل ..
المصلون والجيران يتفقدون بعض ويسألون عن بعض .. هذه إحدى فوائد صلاة الجماعة .. تكافل اجتماعي إنساني .. لا يوجد في مجتمع غير المجتمع المسلم ..
ثم انقطع الحديث لوصول العشاء .. وتواعدنا أن نجتمع ثانية لنكمل النقاش ..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
للمزيد عن الكاتب انقر هنا
التعليقات