• ×

09:05 مساءً , السبت 19 يونيو 1446

محاضرة عن الثقافة والمكتبات .. جمعية الثقافة والفنون / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  2039
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 صور من المحاضرة ..
ثم نص المحاضرة كاملة بدون المداخلات والأسئلة ..
ثم رابط لقطات فيدو قصية جدا
( تجدونه في الاسفل ) .. وسيتم رفعها على اليوتيوب متى توفرت كاملة

بعض الصور .
.


image

image

image
صورة جماعية مع مجموعة من الحضور


image

صورة التكريم ..
image

تغريدة اعتز وافتخر بها للمهندس خلف .. رجل عظيم .. يجسد معنى الوفاء الحقيقي .
.



image





ثلاثون عاما بين القراءة والتأليف والمكتبات / حامد علي عبد الرحمن

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...
أما بعد .. وقبل البدء في الحديث في موضوعنا .. لي بعض الوقفات القصيرة .. إذا سمحتم لي ..
الوقفة الأولى .. التأكيد على أن بضاعتي قليلة ومزجاة .. وما وقوفي هنا أمامكم إلا كما يقف الطالب أمام اساتذته ومعلميه .. أو كما يقف المريد في حضرة شيوخه .... فتجاوزوا النقص وسدوا الخلل وغضوا الطرف عن الزلل فما أنا إلا كمن يجلب التمر إلى هجر أو كبائع الماء عند السقائين أو كمن يلقي قصيدة في حضرة المتنبي .. لن أضيف إليكم شيئا .. فوجودكم هنا تكرم ولطف منكم ..
أما الوقفة الثانية : فهي شكر وتقدير وامتنان لجمعية الثقافة والفنون إدارة وأعضاء وأخص بالشكر الدكتور الفاضل علي الرباعي مسؤول النشاط الثقافي في الجمعية على حسن ظنه بي وإتاحته لي هذه الفرصة للحديث إليكم والدكتور الرباعي علامة مضيئة في تاريخ المنطقة .. كان ولا زال مسكونا بالهم الثقافي ..
أما الوقفة الثالثة :: فهي شكر وتقدير وامتنان لكم أنتم أيها الحضور الكرام .. ما كان لمثل هذه اللقاءات وهذه الندوات وهذه المحافل أن تتم وأن تظهر وأن تكون لولا حضوركم البهي ووجودكم المتميز .. فبكم تجمل اللقاءات وبحضور أمثالكم يفخر المتحدث . وحالكم معي ينطبق عليه قول الشاعر ..
وتراه يصغي للحديث بسمعه وبقلبه ولعله أدرى به
نرجع لموضوع حديثنا .. وسيكون ضمن المحاور التالية : المكتبات .. القراء .. الثقافة .. ثم نختم بتجربتي الشخصية ..
عند الحديث أيها الأحبة .. عن المكتبات وعن القراءة والكتب والثقافة في عالمنا العربي عموما وفي مجتمعنا خصوصا .. تحضر الزفرة .. وتقرب العبرة .. وتكثر الونة ..
سأكون صريحا جدا .. وإن كانت صراحتي مؤلمة .. لا يوجد لدينا مكتبات حقيقية تنطبق عليها مواصفات المكتبات إلا ما ندر .. وفي الغالب مكتباتنا ما هي إلا مستودعات للكتب ، بل أقل .. المستودع عادة يكون مرتبا ومنظما لا يضيع فيه شيء بينما نحن في المكتبات نفتقد إلى ذلك . أهم ما في عالم المكتبات طريقة الحفظ والاستدعاء وهي مفقودة للأسف في مكتباتنا .. المكتبات الأخرى وصلت إلى مرحلة الرقمنة وإتاحة الكتب بكامل صفحاتها إلكترونيا .. ونحن عاجزون عن عمل برنامج يحفظ العناوين فقط ويستدعيها عند البحث .. إذا عجزت المكتبات عن تقديم هذه الخدمة فهي عما سواها أعجز ..
وأيضا التزويد وتنمية المجموعات وهي أيضا للأسف مفقودة في مكتباتنا وإن وجدت فعشوائية وبشكل مخجل جدا ..
يتوفر من بعض العناوين ثلاثون نسخة أو أكثر وليتها تحمل موضوعات دسمة أو سمينة .. أغلفة فاخرة في موضوعات هزيلة .. بينما نفتقد عناوين أخرى .. مهمة وعظيمة ومتميزة ملأت الأرض شهرة في الخارج ومع ذلك لا وجود لها في أغلب مكتباتنا ..
نضيف إلى ذلك .. عدم جاهزية المباني إلا ما ندر ورداءة التأثيث وسوء التجهيزات
فمكتباتنا .. تجاوزت المثل الدراج ( حشفا وسوء كيلة ) إلى أركان إضافية حشفا وسوء كيلة وسوء عرضه وسوء تقديمه .. في النوع .. والكم .. والكيف .. هذه حقيقة مرة .. لا يمكن إنكارها والواقع يثبتها .. بل يصرخ بها , وفي إنكارها عدم احترام لعقول الأخرين .. لا يمكن أن نتغير إلا بالصراحة والشفافية والوضوح .. فالكتاب في مكتباتنا يستغيث ..
إقامة المناشط الأخرى وإخراجها إلى المجتمع وإدماجها فيه .. وهي تفتقد إلى الأساس .. ستكون عملية معاقة مشوهة لا يتفق مع العقل والمنطق .
والمشكلة الحقيقة وأقولها بصراحة أيضا ومن وجهة نظري الخاصة .. هي عدم وجود قراء حقيقيين .. هناك قاعدة مهمة في عالم الاقتصاد وتنطبق هنا تماما.. قاعدة العرض والطلب .. بقدر ما يكون هناك طلب على السلعة يكون هناك توفر لها ومنافسة على تقديمها ..
هنا للأسف لا يوجد طلب .. لا يوجد قراء .. فبالتالي .. لا توجد مكتبات متميزة .. ولن توجد مكتبات متميزة مالم يوجد الطلب ..
الرواد هم من يجعل المكتبات تتطور وتتقدم .. هم من يفرض رأيه .. كثرة الطلب تجعل أصحاب القرار يسارعون إلى تلبية الاحتياجات .. تجعلهم يسارعون في توفير البيئة الجاذبة ويسارعون في تنمية المجموعات في مكتباتهم وتحديثها
فوجود القراء ضرورة ملحة لوجود المكتبات وتطورها وازدهارها
واسمحوا لي أن أستطرد قليلا هنا قبل أن أذكر بقية النقاط ..
قبل أن نبني مكتبة .. يجب علينا أن نبني جيلا يحب القراءة .. جيلا يعشق القراءة .... جيلا يعشق الكتاب كما يعشق الاكلات السريعة وكما يعشق الالعاب الالكترونية .. إذ لا فائدة من أن نبي مكتبة عظيمة .. إذا كانت ستبقى مأوى للغبار .. ومرتعا للأشباح .. لا فائدة أن نبينها وتبقى خاوية على عروشها .. ومن واقع تجربة كان يمر علينا في المكتبة اليومين والثلاثة بل الأسبوع ولا نرى قارئا واحدا يعتّب باب المكتبة .. حتى ولو من باب الخطأ ..
أيها الأحبة : ليس من السهل الحديث عن هذه المشكلة .. أقصد مشكلة العزوف عن القراءة .. هي مشكلة معقدة بعض الشيء تتقاطع فيها عوامل كثيرة .. الأسرة .. والمدرسة والمجتمع .. وعوامل نفسية وتربوية .. وأيضا اقتصادية .. فالترف الذي نعيشه يلعب دوره أيضا .
وهنا أيضا ومن وجهة نظري المتواضعة (أرى أن).. الدور الأكبر يعتمد على الأسرة أكثر من المدرسة .. فلو أن أولياء الأمور (الآباء والأمهات) .. زرعوا حب القراءة في الأبناء من السنوات الأولى .. لتغيرت الحال .. لو أنهم يكافئون ابناءهم على قراءة الكتب وتلخيصها كما يكافئونهم على النجاحات الأخرى لتغير الحال .. ولو أنهم يهتمون بجعل أبنائهم يقرؤون -أقصد القراءة الحرة غير المنهجية- كما يهتمون بأكلهم وشربهم ولباسهم .. لتغيرت الحال .. والأهم لو كانوا قدوة حسنة في هذه الناحية .. حتى ولو تكلفوا ذلك تكلفا في سبيل التأثير على الأبناء .. لو فتح الأبناء أنظارهم وهم يرون آبائهم وامهاتهم يحملون الكتب ويهتمون بها .. لو فعلوا ذلك لتغيرت الحال .. ولو علم الآباء والأمهات .. مقدار الأثر الكبير للقراءة على التفكير والذكاء والسلوك .. لتغيرت الحال ..
أنت عندما تقرأ كتابا .. أنت في الحقيقة .. تقرأ عقل إنسان .. أنت في الحقيقة تضيف عقلا إلى عقلك تستنسخ تجارب وخبرات شخص آخر .. المؤلف في العادة .. عندما يريد أن يكتب فهو يفرّغ تجاربه وخبراته ويكتب أحسن ما عنده .. فأنت تأخذ أحسن ما عند هذا وأفضل ما عند ذاك .. وبقدر ما تقرأ .. بقدر ما تضيف عقولا إلى عقلك ..
فقط تخيلوا معي مقدار الفائدة التي يحصل عليها المرء عند قراءة كتاب مؤلفه تجاوز الستين .. خلاصة ستين عام ستكون بين يديه وسيضيفها إلى خبراته وتجاربه
هذا المفهوم مهم أن يصل إلى الآباء والأمهات ومهم أن ينقلوه إلى الأبناء .
ثم نأتي للعامل المهم الآخر .. وهو المدرسة .. والمدرسة والبيت مكملة لبعضها البعض (هذا ما يفترض) .. لو توفر .. الكادر التعليمي المؤهل الناضج المثقف .. أو بمعنى أصح لو توفرت القدوة الحسنة من المعلمين في هذا المجال لتغيرت الحال .. أغلب معلمينا للأسف لا يقرؤون وهذه حقيقة مرة .. والمتميز منهم يقرأ في تخصصه فقط .. لو خرجت به قليلا عن تخصصه لضاع .. مثل هؤلاء -ولنكن صادقين- لن يخرج من تحت أيديهم جيل يقرأ أو يحب الكتاب ..
نعم ، البيئة الجاذبة لمكتبة المدرسة والتجهيزات لها دور كبير .. وكذلك المناهج التعليمية لها دور كبير .. ولكن الدور الأكبر يكمن في المعلم نفسه .. المعلم القدوة .. الذي يحب القراءة ويشجع عليها .. له دور كبير جدا في نقل هذا الاهتمام إلى طلابه الطالب في أحيان كثيرة يثق في معلمه وخاصة في المراحل الأولى أكثر من ثقته في أبيه وأمه .. ولذلك يتأثر به .. سلبا وإيجابا .. لو وجد الطالب معلمه يحب القراءة ويشجع عليها ويضع الجوائز والمحفزات لها .. لتغيرت الحال .
ومن المؤسف في هذا السياق أن مدارسنا وجامعاتنا لا تنمي روح البحث العلمي لدى الطلاب .. بل كثيرا ما تقوم بقتله .. من خلال المناهج المختزلة .. والملخصات والامتحانات .. التي تتطلب أجوبة جاهزة .. تحفظ كما هي ..
وأيضا من العوامل التي سحبت البساط من تحت المكتبات وبقوة كبيرة وساعدت على العزوف عن القراءة الورقية التقليدية وارتياد المكتبات ..هو وجود البدائل الأخرى أقصد وسائل الاتصالات الحديثة .. والقراءة الرقمية ، القراءة الالكترونية إن صح التعبير .. وذلك لسهولة البحث وسهولة الوصول إلى المعلومة .. هذه أثرت بشكل كبير على الكتاب الورقي تأثيرا سلبيا .. ولذلك .. الحاجة إلى ارتياد المكتبات قلّت إلى درجة التلاشي ..
والقراءة الالكترونية لا تقل أهمية ولا فرق بينها وبين القراءة التقليدية .. هي مصدر مهم من مصادر المعلومات .. وهي قراءة جميلة وتفي بالغرض وأصبحت ضرورة الآن مع هذا التسارع المذهل في تقديم المعلومة .. شرط أن تكون قراءة جادة مثمرة هادفه .. وأن تكون من مصادر موثوق بها .. لا قراءة سطحية سريعة ..
القراءة الجادة تكون بتحميل الكتب كاملة وقراءتها كاملة .. لا قراءة المقتطفات من هنا وهناك .. تكون في أخذ المعلومة من مصادرها الأساسية .. لكن هذا الشرط للأسف لا يطبقه الكثير منا .. أصبحنا نبحث عن المعلومة السريعة والجاهزة ولا نتأكد من مصدرها .. وهنا الخطورة .. سيل من المعلومات اختلط غثها بسمينها .. يحضرني هنا ما قاله مصطفى مستور في إحدى رواياته .. يقول .. سيل الأخبار يجعل معرفة الإنسان مضطربة .. وعندما تصبح معرفتك مضطربة ، تصير عاجزا فالمعرفة المضطربة أسوأ من الجهل .. وشبهها أحدهم بالوجبات السريعة .. تشعرك بالشبع ولكنها ضارة
وهذا ما جعل الرقمنة وتوفير المعلومة السريعة سلاحا ذا حدين .. وأصبحت تشكل خطورة بالإضافة إلى كونها تشكل ضرورة .. لسنا في صدد مناقشة هذه المشكلة ووضع حلول لها .. فهي مشكلة كبيرة تؤرق الآباء والمربين على حد سواء .. والحديث عنها يحتاج إلى محاضرة كاملة مستقلة إلا لم يكن محاضرات ..
وهنا أيضا ملاحظة يجدر بنا الإشارة إليها .. وهذه ربما تكشف لنا ضحالة وسطحية ثقافة بعض القراء ..
وهو قانون العقل الجمعي أو فلسفة القطيع .. وهذه للأسف يصنعها الإعلام .. وذلك بتلميع وإبراز وتضخيم وصنع بعض الكتاب .. رغم تواضعهم المعرفي ..
عندما يشتهر شخص .. الجميع يجري خلف منتجه الثقافي معصوب العينين .. بثقة عمياء .. وبدون تفكير ..
وهنا يحضرني موقف حدث في معرض الكتاب يعكس مدى تردي حالنا الثقافي وهشاشيته للأسف ..
كنت في معرض الكتاب سنة من السنوات .. وكنت أبحث عن رواية أوصى بشرائها أحد الأصدقاء .. كان معي اثنين من الزملاء وكنا نتجول في المعرض .. وعندما وصلنا إلى دار النشر التي تبيعها .. كان هناك تزاحم وتدافع .. الجميع يريد الحصول عليها .. زملائي الذين كانوا معي .. وهنا الشاهد .. قرروا أن يشتروها .. هكذا فجأة .. وانضموا للزحام رغم أنهم لا يعرفون الكاتب ولا الرواية ... بل إنهم لا يقرؤون أبدا
العقل الجمعي وتأثيره هو من جعلهم يفعلون ذلك .. ( مع الخيل يا شقراء ) بدون تفكير وبدون وعي .. وهكذا يتضح أثره ( أقصد العقل الجمعي ) .. نعجب بكاتب وننافح عنه .. ونحن لم نقرأ له حتى .. ونتحفظ على آخرين رغم أنا لا نعرف عنهم شيئا .. مشكلة كبيرة جدا .. يقع فيها الكثير منا للأسف ..
نأتي لجزيئة أخرى تتعلق بعنوان لقائنا هذا .. ألا وهي الثقافة ..
لن أتكلم عنها لغة .. ولا حتى اصطلاحا .. فهذا لا يخفى عليكم سأتجاوز البديهيات حتى لا أطيل عليكم .. وسأتكلم عن مفهوم الثقافة عموما وشموليتها .. وبشكل مختصر ..
الثقافة عندي . هي سلوك .. هي عمل .. أحد تعريفات الثقافة ..الإجادة ..
ليست نظريات وتنظير .. وليست فلسفة .. وليست حفظا للنصوص .. أو استعراضا للمخزون المعلوماتي .. الثقافة التي لا تعمل إلا في المجرد ولا أثر لها على ارض الواقع ليست ثقافة .. ( نقصد بالمجرد هنا ما يدرك بالذهن دون الحواس )
الثقافة التي لا أثر لها على السلوك ليست ثقافة ..
مثقف وتكذب .. لا تجتمع .. مثقف .. و تخدع الناس .. لا تجتمع .. مثقف وتلبس الأقنعة وتتلون أيضا لا تجتمع .. فالثقافة مسؤولية
ولذلك المثقف الحقيقي .. يجب أن يشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقه .. فهو قدوة .. يجب عليه أن يحترم ذلك ويقدره .. ويتخلص من كل ما يقدح في المروءة والأخلاق ..
الصدق .. ثقافة .. الإخلاص .. ثقافة .. الثقافة تدخل في كل شيء .. التعاملات ثقافة .. العلاقات ثقافة .. حتى الترفيه والتسلية ثقافة ..
وأنا هنا اقترح .. على جمعية الثقافة والفنون وهي إحدى الجهات الراعية للثقافة
أن يكون هناك محاضرات كاملة في موضوعات وثيقة الصلة بالثقافة مثل: ..
ثقافة الاختلاف واختلاف الثقافات ... المفاهيم وأثرها وخطورتها .. فهذه نحتاجها كثيرا في عصرنا الحاضر ..
أيضا .. ثقافة القراءة .. ثقافة العمل الاجتماعي .. الثقافة والسلوك ... الخ من الموضوعات وثيقة الصلة بالمجتمع ..
الثقافة أيها الأحبة .. هي نمو معرفي تراكمي وهو ما يؤثر في السلوك ..
الثقافة علم .. والمثقف عالم .. واقتضاء العلم العمل .. إذا لا فائدة أن تحفظ المتون أو تحمل الشهادات بدون تطبيق أو عمل ..
رجل عجوز أمي .. صادق .. خير من رجل اكاديمي يحمل أعلى الشهادات .. كاذب ..
فالمثقف هو من يطبق ما تعلمه على الواقع .. المثقف من تظهر ثقافته على سلوكه
ويحضرني هنا موقف كثيرا ما أكرره واستشهد به .. أقمنا في إحدى المرات عندنا في المكتبة العامة دورة عن العزيمة والإرادة وأثرها في النجاح.. دورة في التنمية البشرية .. إذا صح التعبير ..
كان هناك فاصل بين المحاضرات .. وكنّا قد اعددنا فطورا خفيفا أو ما يسمى بالبوفيه المفتوح .. للمدربين والمتدربين ..
أثناء إحدى الوقفات افتقدت .. المدرب .. وسألت عنه قالوا .. أخذ كاس شاهي وخرج إلى الساحة الخارجية .. خرجت أبحث عنه .. ووجدته يدخن في الخارج .. كانت صدمة بالنسبة لي .. وصدمة كبيرة ..... أنت تحاضر عن العزيمة والإرادة .. وتعلّم الناس كيف يتغلبون على ضعفهم وعجزهم .. وأنت عاجز .. ما هذا التناقض المخجل ..
كيف لهم أن يصدقوك أو يثقوا بما تقول .. وأنت عاجز ضعيف لا تستطيع أن تتخلص من هذه العادة السيئة .. قال تعالى عن هذا وأمثاله ..
أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم .. وقال تعالى .. يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون .. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ..
وقال الشاعر ..
يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ *** هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى *** كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى *** بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصل التسليمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ
هذه مصيبة من وجهة نظري الخاصة .. وهذا المدرب غير مؤهل رغم أنه يحمل شهادة عالية جدا .. وعلى هذا يمكن القياس .. إذا أردت أن تعرف المثقف الحقيقي فأنظر إلى سلوكه .. الثقافة ليست مجرد شعارات ولا نظريات .. الثقافة سلوك ..
وإذا نظرنا في تعريفات كثير من الكتّاب المعاصرين للمثقف .. فإننا نجد أنهم يؤكدون على أن المثقف الحقيقي هو صاحب دور نضالي في الوقوف إلى جانب الحق وفي نقد الممارسات الاجتماعية ولإدارية الخاطئة إلى جانب امتلاك روح التضحية .. إن المثقف هو من يوظف رأس ماله .. أي الفكر والمعرفة لصالح المجتمع .. يقول ادوارد سعيد في كتابه ( صور المثقف ) .. فالمثقف الذي يزعم أنه يكتب لنفسه فحسب أو في سبيل المعرفة الصرفة أو العلوم النظرية .. غير جدير به أن يصدق فالثقافة ليست للثقافة فقط الثقافة للمجتمع
نكتفي بهذا القدر عن المكتبات والثقافة حتى لا نطيل عليكم .. رغم أن الحديث عن الكتب والثقافة لا ينتهي فهو ذو شجون يطول ويطول ..
ماذا بقي أيها الأحبة ..
بقي أن أنقل لكم تجربتي الخاصة رغم إنها ليست بثراء تجاربكم .. وأنا هنا أشكر الأخوة الأفاضل الذين سمحوا لي بالحديث عن تجربتي مع الكتاب والقراءة والتأليف
أيها الأحبة : الحديث عن النفس ليس سهلا .. بل إنه من أصعب ما يكون .. لأنه لا يخلو من المبالغة وسرد الانتصارات وإبراز المنجزات وتضخيمها .. ومن ناحية أخرى تجاهل السلبيات والأخطاء والعيوب .. يحضرني هنا ما نقله دوستويفسكي في إحدى رواياته .. عن الشاعر هايني , يقول هايني أنه لا يمكن أن يكون هناك سيرة ذاتية صحيحة وإن الإنسان يكذب دائما عندما يتحدث عن نفسه.
هذا طبع الإنسان .. ولذلك سوف أحاول جاهدا أن اتغلب على هذا الطبع وأخفف من ذلك وأن أكون موضوعياً قدر المستطاع ..
بداياتي مع القراءة بداية مبكرة جدا .. والسبب الأسرة .. السبب القدوة، فأخي الأكبر حفظه الله كان لديه مكتبة وكان يحب القراءة .. وكان يقرأ لنا -أنا وأخي الأصغر- قصصاً جميلة .. وكان يتوقف عن القراءة أحيانا في عز الحدث وكأنها مسلسل .. مما يجعلنا نتشوق للحلقة الثانية كانت من أجمل الأوقات .. التي كنا ننتظرها .. وكنا نزعجه دائما .. بطلب القراءة لنا ..
كان يقرأ .. من ألف ليلة وليلة .. وقصة الزير سالم .. وأبو زيد الهلالي .. وكليلة ودمنة .. وقصة عنترة العبسي وبطولاته ... الخ .. ولذلك نشأت على حب القراءة
.. وأذكر هنا بعض المواقف الطريفة في طفولتي ..
أنا لا أحب التجاوزات ولا أزكي نفسي .. ولكن الهوس بالقراءة جعلني اتجرأ وأحاول أن أخذ من مكتبة المدرسة بعض القصص .. ولكن أحد المعلمين قبض علي متلبسا .. وفي تلك الأيام أغلب المعلمين قساة جدا .. يتعامل مع الأخطاء بدون رحمة ولا شفقة .. لقنني درسا لم أنسه ولن أنساه .. لقد صنع عندي عقدة نفسية ورهاب من كل أنواع التجاوزات .
ومن المواقف الطريفة أيضا .. كنا في زيارة خالتي في الطائف رحمها الله وأذكر أنها اعطتني مبلغا من المال .. ( خمسين ريالا ) أذكره ولا أنساه مبلغ كبير تلك الأيام قبل أربعين سنة تقريبا .. صرفته كله على الكتب بدون وعي وبدون تفكير إلى درجة أن أحد الكتب التي شريتها كان موجودا في مكتبتنا في البيت .. مختلف فقط لون الغلاف لاختلاف الطبعة لم اتأكد من شدة الحماس .. أصابني الغبن بعد ما رجعت إلى البيت واكتشفت ذلك .. والغبن ليس في فقد المال .. الغبن في ضياع فرصة الحصول على عنوان جديد ..
أول محاولة لي في التأليف كانت في المرحلة المتوسطة رواية .. أو .. قصة .. دفتر أبو ثمانين .. فقدتها فحزنت كثيرا جدا وصابني نوع من الإحباط وقتها .. هل هي ضاعت ؟ أو سرقت مني ؟ .. الله العالم ! ..
أيضا كنت أكتب مذاكراتي .. كنت أسرد الأحداث بتفاصيلها .. وبكل براءة وسطحية مما أوقعني في الحرج عندما قرأها أحد الزملاء عرضا .. جعلني ذلك اترك كتابة المذكرات .. لا زلت احتفظ ببعض منها بعد أن نزعت منها بعض الأوراق التي تتعلق بأحداث وقعت للأخرين .
إذن تخصصي في المكتبات والمعلومات لم يأت من فراغ .. جاء نتيجة عشق أزلي للقراءة والكتاب ..
تخرجت .. ومن حسن الطالع والحظ لم أتأخر كثيرا .. بعد التخرج .. عينت أمين مكتبة ومديرا للمكتبة العامة بالباحة مباشرة .. كنا اثنين فقط .. أنا وزميل لي كبير في السن .. تقاعد بعد تعييني بقليل وبقيت لوحدي سنوات .
عندما تعينت في المكتبة .. كنت ولا زلت اعتبر نفسي محظوظا .. أمنية أن تعمل في مكتبة .. أمنية أن تأخذ راتبا لتقرأ .. ولذلك تعتبر وظيفة أمين المكتبة من أرقى الوظائف .. كنت اقرأ بشكل عشوائي .. وفي كل شيء حتى في الرياضيات والفيزياء .. رغم بعدها عن تخصصي ثم حددت لنفسي جدولا .. وألزمت نفسي إلزاما .. بقراءة بعض الكتب الصعبة .. مثل مقامات الحريري .. ومقامات بديع الزمان الهمداني .. كذلك ألزمت نفسي بقراءة كتب في التفسير وكتب في الحديث ..
قرأت الكثير والكثير .. ولكن للأسف ليس هناك ذاكرة واعية .. حفظت متون ومعلقات ولكني نسيت الكثير منها ولا زلت أنسى ..
لي بعض المحاولات الجادة في التأليف .. رغم المخاطرة في دخول هذا العالم ورغم التردد .. فأنا مع المقولة المشهورة .. التي تقول
لا يزال الإنسان في فسحة من عقله .... مالم يؤلف كتابا أو يقل شعرا .. ورغم ذلك إلا أنني قررت أن اقتحم هذا العالم واخوض هذه التجربة رغم تواضع ما عندي .. فلو ابتغينا الكمال لم نجد عملا يؤلف ولا كتابا ينشر ..
منها الكتيب الصغير ومنها الأكبر ومنها المطبوع ومنها غير المطبوع ..
أولها كتاب .. أسميته ( شقوق في عباءة المثقفين وشروح في هياكل الأذكياء ) .. له قصة إذا سمح وقتنا وسمحتم لي أذكرها في أخر اللقاء
وكتاب ( أقلها ).. وهو كتاب فقهي .. أقل ما ينبغي للمسلم معرفته .. بشكل مختصر
كتاب لا تيأس .. وهو كتاب قصص حقيقية للنجاح كتاب في التنمية البشرية .. وهو بالمناسبة قبل كتاب عائض القرني المشهور .. ولا يتقاطع معه إلا في العنوان فقط .
كتيب بعنوان لماذا الإسلام .. مترجم إلى الانجليزية .. والاردو .. والهندية
كتيب صغير عبارة عن رسالة .. عنوانها مسلمات بديهية رسالة إلى عقلاء الشيعة .. وعندي الكثير من المقالات والمناظرات في هذا الباب .. مطبوعة ولم تنشر ورقيا بعد ولكنها منشورة على الانترنت ..
كتاب / معين الفصيح .. أسرع طريقة للثراء اللغوي .. بذلت جهد كبير فيه لم يطبع
كتاب انعاش وتقوية .. وهو مجموعة مقالات .. دينية اجتماعية فلسفية ..
دراسة بعنوان .. مكتبة الأمير مشاري بن سعود العامة .. منبر حضاري ومركز ثقافي ..دراسة شاملة ورؤية عامة .. قمت بعملها بتكليف من أمير منطقة الباحة السابق
بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المقالات تزيد عن مئة مقالة منشورة على الانترنت ..
أشهرها ..
فلسفة الصواب والخطأ .. والطاقة الروحية .. ما وراء الجسد .. سطوة العقدة النفسية .. فقاعة الدكتوراه والتضخم والورمي .. الوهم الثقافي .. لا أحب الضعفاء .. خرافة الضمير المجرد ... نرجسية الآباء والأمهات .. كيمياء الأمل .. ثقافة الاعتذار .. فلسفة التفكير .. ثقافة الاختلاف واختلاف الثقافات .. الحقيقة بين سوء الفهم .. وقصور التعبير .. وغير ذلك .
وإيمانا مني بأهمية الرقمنة والتحول الرقمي .. ومحاولة لمغالبة الانكفاء والانزواء على الذات .. وخروجا إلى فضاءات أوسع انشأت أول موقع لي على الانترنت باسم ( البوح ) قبل عدة سنوات.. تعبت عليه كثيرا .. ولكن لانشغالي ببعض الظروف انقطعت عنه فخسرته .. ثم انشأت موقعا أخر باسم ( المعذرة ) كمنصة أطل من خلاله على العالم حقق بعض النجاحات ولا زال وهو يعمل إلى الآن .. فأنا أؤمن بأن الإنسان ما هو إلا فكر .. وكلمة .. وموقف .. وبدون ذلك لا يساوي شيئا
هذه باختصار قصتي مع الكتب والكتابة والتأليف ... ونكتفي بهذا القدر .. لنعطي فرصة للاستفادة من مداخلاتكم وملاحظاتكم واسئلتكم .
إن تجد عيبا فسد الخلل .. جل من لا عيب فيه وعلا
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد ..

انقر هنا لمشاهد مقاطع فديو قصيرة جدا من المحاضرة

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:05 مساءً السبت 19 يونيو 1446.