الحقيقة بين سوء الفهم ... وقصور التعبير / حامد علي عبد الرحمن ..
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد
مدخل :
تحتوي قائمة جوالي على ما يقارب ( ألف وخمسمائة رقم ) أرقام الأقارب والأصدقاء والمعارف والزملاء . ولا شك أن مثل هذه القائمة الطويلة يوجد فيها الكبير والصغير والمثقف والأقل ثقافة ومنهم المتدين والأقل تدين .. الخ .. في رسائلي الجماعية في العادة لا أنقل ولا أعيد التوجيه إلا نادرا .. عادة تكون رسائلي من إنشائي وعندما اكتب الرسالة فأنا في العادة أحسب حساب التباين الكبير في الثقافات والمفاهيم للشرائح التي ستتلقى الرسالة ..فأنا أدرك تماما مدى الهوة الشاسعة أحيانا في الوعي بين الأشخاص .. ولذلك فأنا أحاول التوفيق و التوزان قدر المستطاع .. إلا أنه في أحيان كثيرة أعجز عن التقريب أو المواءمة بينهم .. فتأتي رسالتي ممتازة عند البعض ومرضية عند البعض وغير مرضية عند آخرين وواضحة لشريحة وغير واضحة لشريحة أخرى ..
ورغم كل هذه الحيثيات والمعطيات ورغم اعترافي بقصوري في التعبير أحيانا .. إلا أنه لم يدر بخلدي يوما ما أن أكتب شيئا ويفهم عكسه تماما ..
هنا مشكلة ومشكلة كبيرة جدا .. .. مهما كانت الثقافات مختلفة لا ينبغي أن يصل الحال إلى هذه الدرجة..
هل ذلك من سوء الفهم ؟ .. أو من سوء الإفهام ؟
إحدى الرسائل التي أرسلتها قريبا فهمها البعض بالعكس تماما .. سوف أوردها في أخر مقالي هذا وأتحدث عنها وأعدل عليها بحيث تكون واضحة للجميع ..
الخطاب إذا كان موجه لشريحة كبيرة ومتباينة يشكل مشكلة ومعاناة حقيقية ليست في الرسائل فحسب .. أيضا اعاني من نفس المشكلة عند إعداد خطب الجمعة .. كثيرا ما حاولت الخروج عن الخطب الوعظية التقليدية (سواء في المواضيع أو الأسلوب ) مثل حديثي عن نرجسية الآباء أو كيمياء الأمل أو الماجريات ..الخ .. ولكن الخوف من سوء الفهم يلازمني .. فأجد نفسي مضطرا في أحيان كثيرة للخضوع إلى الأغلبية .. فالمنظومة والنسق الاجتماعي لها سطوتها وأثرها .. وعندما نكتب لشرائح متباينة في الأفكار والمفاهيم .. لا بد من مراعاة ذلك وكثيرا ما يحدث أن أعدل و أغير وأبدل ما أكتب .. أفعل ذلك على مستوى المواضيع والمصطلحات وحتى الصياغة .
إن أتيت بالمصطلحات الحديثة اتهموك بالتقعر والفسلفة .. وإن راعيت البساطة اتهموك بالسطحية ..
اعذروني على الاستطراد في ذلك ولكنه كان ضرورة كمدخل لما أردت الحديث عنه ..
نرجع الآن إلى سوء الفهم ونتائجه الكارثية أحيانا ..
وأنا أكتب يحضرني الكثير من القصص في هذا الموضوع أذكر منها تلك القصة التي حدثت عند المخبز (فرن التميس) .. قصة رجلين تحولت إلى مجزرة ومأساة .. رغم الطيبة وحسن النية ورغم نبل المقصد .. إلا أن التعبير وخياناته قاتلة أحيانا .. ملخص القصة :
حضر أولا .. وطلب كمية كبيرة من التميس .. حضر بعده رجل اخر يحتاج تميسة واحدة فقط .. عندما عرف الرجل الأول أن الثاني بحاجة لرغيف واحد فقط قال وبطيب خاطر وبحسن نية للخباز ( أرم له واحدة خليه يمشي ) الأخر وبحكم اختلاف الثقافات .. غضب جدا من كلمة أرم وقال ( يعني أيش أنا كلب يرمي لي ) .. في ثقافته لا يرمى إلا للكلاب أجلكم الله .. وكلمة من هذا .. وكلمة من ذاك .. تحول المخبز إلى ساحة قتال .. فسحب أحدهما المنزاع من يد الخباز وطعن به الأخر .. وانتهت بمجزة وكارثة
والسبب سوء الفهم أو سوء التعبير ..
سوء الفهم ينشأ عادة في العلاقات الاجتماعية وخاصة في التخاطب وهو علامة عجز عند المرسل أو المستقبل . وكثيرا ما يفضي إلى تحويل الأخ والقريب والصديق إلى عدو ..
إن اللغة هي الوسيلة الأقوى فهي تحتوي على المضامين الفكرية المتنوعة وبسببها يتكون الرأي عن الآخرين .
سوء الفهم أو سوء الإفهام كان السبب في قتل ومضايقة الكثير من الفلاسفة والعلماء والمفكرين .. مثل ابن عربي وابن سينا والفارابي والحلاج و الحافي .. وغيرهم .. وحتى لا يطالني سوء الفهم هنا أيضا أنا لا أجزم بصحة مذهب هؤلاء أو تبرئة ساحتهم أو القول برأيهم .. أوردت هذه الأسماء كأمثلة فقط ..
التخاطب مع الآخر فن عندما لا نجيده تكون النتيجة خسارته .. وأنا أقول الأخر هنا بصيغة المفرد .. لأنه الأصل والأعم والتخاطب معه أسهل من التخاطب مع المجموعة ..
سبب فشل العلاقة مع الآخر أيا كان ( صديق ، زميل ، جار ، قريب ، أخ ، ابن ، زوج ) .. في الغالب هو ضعف التواصل .. الجميع عندهم مزايا طيبة الجميع فيه خير .. لأنه لا يوجد شر محظ .. ( نحتاج أن نعطي بعضنا فرصة فقط ونحاول أن نفهم )
ولذلك لو تعلمنا التعبير .. وقبلها لو تعلمنا الإنصات .. انتهت أكثر مشاكلنا
وهنا أورد بعض الحلول أو بعض الاحتياطات التي لا تخفى عليكم للتذكير فقط ..
فهي تخفف كثيرا من سوء الفهم وتساعد على الإفهام ..
منها :
مخاطبة الناس على قدر عقولها وهذا القول له مرجع في ديننا الحنيف .. ورد في البخاري عن علي موقوفا "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله" وفي مسلم عن ابن مسعود قال "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة.
ومنها .. الأناة والحلم والانتظار وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام.. جاء في الحديث الصحيح عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأشج عبد القيس إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالأَنَاةُ .
ومنها : ترك سوء الظن .. إن بعض الظن إثم .. والتماس العذر للآخر
ومنها : البعد عن مواضع الشبه سواء في كلماتنا أو سلوكياتنا والوضوح ... والتوضيح والاعتذار إذا لزم الأمر ..
وتظل حالات سوء الفهم قائمة ما دمنا بشرا ينزغ بيننا الشيطان ويعتري أحاسيسنا الوهمُ وتخذلنا قدراتُنا أحيانا في الربط والإدراك, وتنازعنا الأهواءُ والعواطف غير أننا بالقطع نستطيع التنبه والاجتهاد وتلافي ما نستطيع من أسباب سوء الفهم أو الحد منها .. وعلينا أن نضع في الحسبان أيضا وجود عقليات مريضة أو نفسيات مضطربة . لا ينفع معها لا حيطة ولا حذر ..
هؤلاء يفضل الابتعاد عنهم تماما .. وإن بلينا بهم فالأفضل تجاهلهم وكأنهم غير موجودين وعدم الدخول في أي نقاش معهم ..
نرجع لموضوع الرسالة وسبب كتابة المقال ..
كانت الرسالة عن حكم كشف وجه المرأة .. ختمتها بسطرين كنت أقصد فيها السخرية والتهكم والغمز بالتي تكشف وجهها .. فهمها البعض ( القليل جدا ) فهموا أني أجيز كشف وجه المرأة .. وهذا عكس تام لما أردت قوله ومغاير تماما لما أؤمن به .. ورغم أن من فهم هذا الفهم قلة جدا جدا إلا أنه وفي موضوع حساس مثل هذا يعتبر الوضع خطيرا جدا .. وهذا ما يجعلني اكون حذر في المرات القادمة وأكثر حيطة ..
لن أعيد أصل الرسالة هنا فهي عندكم ولكن سوف أعدل عليها وأضيفها هنا لمن أراد نسخها وارسالها مجدد .. كتب الله أجركم جميعا ،،
نص الرسالة بعد التعديل :
إذا راقت لك وأردت نشرها .. أنسخ النص التالي فقط
القول الفصل في كشف وجه المرأة ..
يقولون القضية فيها خلاف .. نقول نعم .. ربما هناك خلاف على إباحة كشف وجه المرأة ولكن ..
هناك اجماع كامل وأنا اعني ما أقصده ( كاملا ) على نقطة مهمة وهي غاية في الأهمية .. (وأنا اتحدى من يقول بغير ذلك ) النقطة هذه عليها إجماع كامل ولم يختلف ولن يختلف عليها أو فيها أحدا ابدا ..
وهي إنه متى ما كانت المرأة جميلة وفاتنة .. وخُشيت الفتنة على الناس هنا يحرم كشف وجهها مطلقا ونهائيا أمام الرجال الأجانب هذا الحكم بالإجماع ..
والإضرار بالناس وفتنتهم هذا حرام وهو أصل من أصول الشريعة الاسلامية .. قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ..
إذا الرؤية واضحة والحكم واضح تماما ..
والقرار في يدك أختي الكريمة : إن كنت تظنين أنه لا يوجد في وجهك جمال أبدا .. (وهذا مستحيل لأنه لا تخلو امرأة من جمال ) إن كنت تعتقدين ذلك وأنك لا تشكلين أي فتنة بأي شكل من الأشكال فيجوز لك كشف وجهك وحالك يستوي مع القواعد .. قال تعالى .. وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .
أما إذا كان هناك قدر من الجمال ولو ضئيلا جدا وهذا مؤكد .. فلا يجوز لك كشف وجهك إطلاقا .. . واتقي الله وتغطي عن الأجانب ولا تصدقي أو تأخذي أي فتوى مخالفة .. (لا يأتي احد ويضحك عليك ويقول هناك خلاف)
لا يجوز لك كشف الوجه هذا الحكم بإجماع العلماء ولم يقل أحد منهم بغير ذلك لا سابقا ولا لاحقا ..
اللهم بلغت اللهم فأشهد
هذا وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد
كتبها / حامد علي عبد الرحمن
التعليقات