خدعة الفروق الفردية / حامد علي عبد الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... أما بعد
وقبل أن نبدأ .. هذه المقالة ربما تغير حياتك وحياة ابنائك .. فإن لم تكن ذهنيا جاهزا الآن فأجّل قراءتها ..
مقالي هذا يختلف عما تعلمناه وعما يُروج له الكثير من المربين إن لم يكن جميعهم ولذلك فمن المؤكد أنهم سوف يختلفون معي ويعترضون علي .. ولكن لا بأس فالاختلاف ظاهرة صحية وهو لا يفسد للود قضية .. وكل يقدم ما لديه من أدلة وبراهين وهي الفيصل بيننا ..
ما أحاول اثباته هنا نظرية إنه ( في الأصل لا يوجد فروق فردية بين البشر يولد الجميع بمستوى ذكاء واحد .. والبشر والبيئة والتربية هي التي تصنع الفروق الفردية ) ..
لا يولد أحدهم غبياً .. والآخر ذكياً .. الجميع سواسية
باستثناء حالتين لا حكم لهما لندرتهما ..
الحالة الأولى : متخلف عقليا واضح التخلف ذو احتياجات خاصة
الحالة الثانية : عبقري فوق العادة واضح التميز وله قدرات خاصة ..
وهذه الحالتين نادرة الحدوث جدا ربما في الألف واحد أو أقل ولذلك لا حكم لهما .
وهنا نطرح السؤال الأزلي الذي حير العلماء .. هل الذكاء وراثي ؟ وإلى أي حد ؟ ..
أنا أقول وبالدليل القطعي ..البشر يولدون وهم يمتلكون قدرات عقلية واحدة .. باستثناء الحالتين التي اشرنا إليهما آنفا ..
أما الإثبات ..
أنا أحاول هنا نسف فكرة الفروق الفردية التي نسفت أحلام الكثير للأسف وقتلت آمال الكثير للأسف وأحبطت الكثير للأسف .. شماعة العجزة والكسالى .. سوف أحاول بالدين أولا ثم بالعقل والمنطق والتجربة ثانيا ..
أحاول أن أغير الصورة النمطية والانطباعات الثابتة التي تكونت لدينا مما سمعناه وتعلمناه وحفظناه .. عندما نرى شخصا لا يستوعب أو أقل ذكاء ننسب ذلك إلى الفروق الفردية . وعندما نرى شخصا ذكيا ننسب ذلك إلى الفروق الفردية ..وهذا غير صحيح .. كليهما لم يولد هكذا ..
سوف يكون حديثي مختصرا قدر المستطاع حتى لا أطيل عليكم فخير الكلام ما قل ودل .. أيضا سوف ابتعد قدر المستطاع عن المصطلحات العلمية المعقدة وسوف تكون لغتي أقرب إلى البساطة والوضوح .. وهذه أيضا ربما تثير حفيظة المتخصصين . ليس المهم التقعر في الألفاظ المهم توصيل الفكرة ..
ماذا يقول الدين في ذلك ... سوف نأخذ أية واحدة فقط وحديث واحد فقط تؤكد ما أقول وما أذهب إليه رغم أن هناك الكثير من النصوص ..
آية وحديث فقط كفيله بأن تجعلنا نعيد حساباتنا وأن نخفف من التسويق والترويج لهذه الفكرة ونبتعد عن تأطيرها وتثبيتها.. أقصد فكرة هذا مخلوق ذكي ولد هكذا ... وهذا مخلوق غبي ولد هكذا ... أو هذه اسرة ذكية وهذه اسرة غبية .. فنحتكر الإبداع في أسر معينة .
من القرآن الكريم قال تعالى :
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
الله هنا لم يستثنِ أحدا .. فالله أخرجنا جميعا من بطون أمهاتنا في مستوى واحد لا نعلم شيئا .. الذاكرة صفرة لدى الجميع ( باستثناء الغرائز التي نشترك فيها مع الحيوان .. الشرب والأكل .. الخ ) .. ثم تأتي الفروق الفردية عن طريق السمع والأبصار والأفئدة .
أما من السنة : فقد روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ .
وهنا النبي صلى الله عليه وسلم لم يستثنِ أحدا أيضا .. الجميع يولدون على الفطرة .. يولدون وعندهم استعداد للتعلم إذا كان هذا في العقيدة وهي أخطر ما يكون .. فمن المؤكد إن الجميع مولودون أيضا بنفس الملكات ونفس القدرات ..
ثم ننتقل بعد هذه النصوص الدينية الواضحة .. إلى حقيقة علمية ثابتة .. وقبل ذلك نعيد توضيح الفكرة التي نريد الوصول إليها وإثابتها ..
عندما نقول أنه لا يوجد فروق فردية .. نقصد عند الولادة فقط .. ربما بعدها بساعات قليلة تبدأ الفروق الفردية .. وهنا يكمن السر .. وهنا نلفت أنظار الآباء والأمهات إلى خطورة الوضع وأهميته .. الكلمات .. الإشارات .. الإيحاءات .. المواقف .. هي من يصنع الفروق الفردية .. لدى الأطفال .. ربما توأمين مولودين في ساعة واحدة .. موقف صغير يجعل أحدهم يفكر والأخر لا .. والتفكير بصفة خاصة هو من يصنع الفروق الفردية .. سوف نرجع إلى هذه الجزئية .
والحقيقة العلمية هي أنه عندما نولد تَكون خلايا المخ والتي تقدر بمائة مليار خلية عصبية وتتركز هذه الخلايا العصبية في طبقة يبلغ سمكها 2 ملمتر على السطح الخارجي للحاء المخ والمعروف بمادة الدماغ السنجابية. وعلى مدار الحياة يتعين على العقل أن يعالج مليارات المواقف والمحفزات
ويستخدم الشخص المثالي نسبة ضئيلة جدا جدا من إجمالي القدرة العقلية التي لديه وعليه فانه من الواضح ان هناك هدر كبير للطاقات والملكات وأن هناك فرصة كبيرة لتطوير القدرات العقلية .
كما أكدت دراسات النمو المعرفي على أن أصل الذكاء الإنساني يكمن فيما يقوم به الطفل من أنشطة حسية حركية خلال المرحلة المبكرة من عمره وهي المرحلة التي يمر بها الطفل وهذا يعني ضرورة استثارة حواسه الخمس : السمع – البصر – اللمس – الشم – التذوق إضافة لضرورة ممارسة الأنشطة الحركية . وهنا نذكّر بالآية التي أوردنها سابقا (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ ) إذاً هذه الدراسات لم تأتِ بجديد فهي تؤكد ما نصت عليه الآية الكريمة (( وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ((
أعتقد أن الصورة بدأت تتضح لكم أيها الكرام ..
ومن الحقائق العلمية أنه كلما زادت شبكات الاتصال وكثافة الغصون في المخ كلما زادت كفاءة عمل المخ، وتزيد هذه الكثافة تبعًا للخبرات التي نتعلمها .. وبشكل أكثر وضوح ..
تفكير ( استثارة ) = كثافة الخيوط العصبونية = زيادة في الذكاء
سنتطرق لاحقا إلى أهم طرق الاستثارة .
وهذه الحقائق كلها تثبت أن الإنسان لديه قدرة عجيبة على التعلم .. وأنه يمكن زيادة ذكاءه .. وإن الذكاء ينموا ويستمر في النمو .. إلى أخر يوم في حياة الإنسان .. ما لم يصاب الإنسان بعاهة أو مرض يشل تفكيره .
هنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي :
من أين تأتي المواهب إذا .. رسام .. شاعر .. فنان .. إلخ ..
ألا يعني ذلك وجود الفروق الفردية ..
نقول إجابة على هذا السؤال .. المواهب تتشكل في الطفولة .. سواء بمعرفتنا وتحت إشرافنا .. أو لا شعوريا .. فالرسام مثلا .. ربما رأى لوحة أو منظر وأعجب بها في صغره ( يمكن أن يكون في الأيام الأولى في غرفة الحضانة ) وبقيت في الذاكرة الخلفية .. أو وجد تحفيزا مناسبا كالثناء والمدح على إحدى رسماته .. أو غير ذلك .. فاستمر وانطلق .. أو ربما وجد أحد أفراد اسرته رساما.. كثيرة هي الاحتمالات وكلها واردة إلا أن احتمال أنه ولد رساما هكذا مستحيلة ..
هناك الكثير من العوامل التي تلعب دورا مهم في تشكيل المواهب لدينا .. سواء علمنا بها أو لم نعلم بها .. حسب تفسيري الموهبة تكونت شعوريا أو لا شعوريا .. عن طريق مواقف في الصغر .. عرفناها أو لم نعرفها . اهتمينا بها طورناها اصبحنا موهوبين فيها .. فالموهبة ما هي في البداية إلا ميول ... ممكن ينمو ويتطور وممكن أن يغتال ويقتل .. وهناك عشرات الأمثلة على ذلك .
أيضا الشعر .. قد يقول البعض إنها وراثة .. وهناك عائلات مشهورة بالشعر .. نقول أيضا لا .. الميول للشعر تتكون من عوامل بيئة أو أسرية تجعل الطفل من صغره يكون شاعر .. ثم ينبغ ويبدع إذا كبر .. أمّا أنه ولد شاعرا هكذا فهذه أيضا مستحيلة .
هناك شيئا ما اوجد الميول للشعر .. ثم تحول إلى اهتمام .. تطور مع الزمن ليصبح موهبة .. والدليل عشرات الشعراء طوروا أنفسهم فاصبحوا بارزين متميزين .. وأخرين راوحوا مكانهم .. مكانك سر .. وربما تأخروا ..
وهنا قصة طريفة نوردها للاستشهاد .. يقال .. أن هناك من أراد تعلم الشعر فذهب إلى شاعر فحل مشهور قال علمني الشعر .. قال له أحفظ عشرة ألاف بيت وارجع لي .. حفظها الرجل عن ظهر قلب .. وعاد .. قال له الشاعر الآن أنسها .. وحاول أن تنظم الشعر .
أنا لا أنكر المواهب .. ولكن أنا اتكلم عن نشأتها وتطويرها
أكيد الرؤيا أتضحت لكم الآن أيها الكرام ..
فلا يوجد شخص ذكي أو شخص غبي .. يوجد شخص يفكر وشخص لا يفكر .. الكثير .. يعزو فشله إلى أن العملية إمكانيات وقدرات .. وإن حظه من الإمكانيات قليل ولذلك يستسلم ويحبط .. وهنا الخسارة الكبيرة ليست عليه فقط بل على المجتمع . وهنا نقول مهما كانت المهارات منخفضة والإمكانيات والقدرات متواضعة فإنه يمكن زيادتها ..
وخذوا هذه الأمثلة :
شخص كان من المستحيل أن يحفظ سورة واحدة من القرآن ويجد صعوبة في ذلك .. بالإصرار حفظ القرآن الكريم كاملا .. وفي سن متقدمة .. ماذا حدث ؟ وكيف نفسر ذلك ..
شخص كان يكره اللغة الانجليزية جدا .. فرضت عليه فتخصص فيها وبرع
شخص لم يكن ينجح إلا بالدور الثاني ودائما يرسب .. حتى تخرج من الثانوية .. ثم فجأة يتغير الوضع .. يكمل دراسته ويحصل على أعلى الشهادات ..
ولولا خوف الإطالة لسردت لكم عشرات القصص .. والتي تعرفون منها الكثير ..
ميزة العقل هنا أيها الأحبة .. هي أن لديه قدرة عجيبة على التطور .. يختلف تماما عن بقية الأجهزة وفيه إعجاز رباني عظيم .. تفكر أكثر .. تصبح أكثر ذكاء .. تحفظ أكثر تصبح أكثر ذكاء ..
إذا الفروق الفردية بيننا وبين الأخرين .. نحن من يصنعها ..
قد يقول قائل .. فلان يحفظ بشكل سريع .. مرة أو مرتين وتنطبع في ذاكرته .. وأنا أعاني من التكرار دون فائدة .. نقول له ..
في البداية كان فلان هذا مثلك .. ولكنها تطورت ملكة الحفظ عنده بالممارسة والتكرار .. حتى ولو بدون تعمد أو وعي .. فأصبح متميزاً .
وحتى تقلص الفروق الفردية .. اصبر وضاعف المجهود .. كثف الخيوط العصبونية .. تتقلص الفروق الفردية .. وتنتهي المشكلة .
وهنا سؤال أيضا يتبادر إلى الذهن .. ماذا يعني أن يكون هناك ذكاء صناعي وذكاء رياضي وذكاء عاطفي وذكاء اجتماعي .. الخ
هذا أيضا يؤكد ما ازعمه .. حسب اهتمامك ينموا ذكاءك وتبرز فيه ..
وعندما تجد شخص أيا كان صغيرا أو كبير أقل استيعاب فاعلم أن ظروف تنشئته هي السبب .. وبإمكانه أن يعدل ويرفع من قدراته
وقبل أن أختم .. أنصح وبشدة بالاهتمام بالأطفال اجعلوهم يفكرون .. يقرؤون .. يتدبرون .. ويتأملون .. استثيروا افكارهم ..
بإمكانكم أن تصنعوا منهم عباقرة ... وأنا اراهن على ذلك ..
وإليكم أشهر طرق التدريب ..
التفكير .. ويكون بحل المسائل الرياضية والالغاز والتخطيط وحل المشكلات .. الخ
القراءة .. وهذه أضمن وأسهل وسيلة لزيادة الذكاء ..
الحفظ ..فالحفظ أيضا له سر عجيب على زيادة الذكاء ..
التأمل عموما في المخلوقات والخلق طباعهم صفاتهم .. الخ يساعد على صفاء الذهن والتركيز ..
وهناك عوامل مساعدة لا غنى عنها كالحركة والرياضة .. فهي مهمة جدا والغذاء الصحي ..
كانت هذه مجرد محاولة وأفكار شاردة قيدها وكتبتها لعل الله ينفع بها فإن اصبت فمن الله وإن اخطأت فما أنا إلا بشر ..
إن تجد عيبا فسد الخللا .... جل من لا عيب فيه وعلا
كتبها / حامد علي عبد الرحمن
استقبل الملاحظات على المقالة بصدر رحب ولي الشرف بذلك
واتس اب على الجوال التالي / 0504587675
التعليقات