بسم الله الرحمن الرحيم
كان هذا المقال ردة فعل بعد نقاشي مع أحد الأصدقاء حول الضمير الحي ودوره الفاعل في رقي الأمم والحضارات .. صاحبي كان ينافح ويدافع عن الضمير المجرد واقصد بالمجرد هنا .. ما كان بدون دين ولا هدف .. وهذا ما أثار حفيظتي .. إذا لا يوجد ضمير هكذا ... بدون دافع ...إن وجود الضمير دليل على الإيمان .. فمن لديه ضمير فهو مؤمن حتى ولو أنكر وجود الإله .. أو ادعى الإلحاد أو تكلفه . فالضمير هو النور المتبقي .. بل إنني اعتبر أن الضمير أكبر الأدلة على وحدانية الخالق سبحانه وتعالى فهو دليل الفطرة السلمية التي فطر الله الناس عليها .
ولذلك لا يوجد ضمير مجرد بدون دوافع ومصالح وأسباب .
أنا هنا سوف أكون صريحا جدا بل غاية في الصراحة .. بعيدا عن المثالية الزائفة والادعاء الكاذب ... سوف اتحدث بالمنطق والعقل .. ولن يكون الحديث صادقا صريحا وشفافا إلا إذا أخذنا الغرائز الفطرية التكوينية والطبائع البشرية في الحسبان ..
الضمير والمبادئ والقيم والأخلاق تمثيلية والفضيلة مستحيلة بدون الله أو بدون الدين أو بدون الدوافع أيا كانت .. بل إنني أزعم إضافة إلى ذلك إن الحب بدون سبب هراء وكذب و الكره بدون سبب أيضا هراء وكذب .. لا يوجد حب أو كره بدون سبب هكذا مجرد ... هناك اسباب .. حتى ولو خفيت علينا ... هناك اسباب ظاهره نعلمها وأسباب باطنه تخفى على الكثير ..
ترتاح لشخص أو تحبه أو تميل إليه وتستطلفه .. لا بد أن يكون هناك سببا .. مثلا .. أخلاقه .. دينه .. أمانته .. اسلوبه ... الخ
تكره شخص .. ايضا لا بد أن يكون هناك سببا .. كذبه .. وقاحته .. طباعه .. اسلوبه ... الخ
أيضا لا يوجد عطاء بدون دافع أو بدون مصلحة ... وإن قلتم ما رأيك في حب الآباء والأمهات لأبنائهم وعطائهم الذي لا ينتهي .. أقول خذوا هذه الحقيقة التي لها شواهد كثيرة وأمثلة كثيرة .. لو استمروا الآباء والأمهات يعطون .. ويعطون .. ويعطون .. بدون مقابل أو بدون تقدير .. أو بدون برّ من الأبناء .. أو كان هناك جفا وعقوق وإساءة .. تحول الحب إلى كره .. وتحول العطاء إلى منع .. وكم سمعنا قصص لإباء وامهات تبرأوا من أبنائهم العاقين . واصبحوا يدعون عليهم ليلا نهارا .
لا يوجد عطاء بدون مقابل أو بدون مصلحة .. فمثلا الآباء والأمهات يرجون ويأملون في هذا الأبن أو هذه البنت أن يكبروا وأن يكونوا صالحين وبارين وأن يعوضونهم عن تعب السنين ..
ومن ناحية أخرى قد يقول قائل فما بال الأبناء يكونون بارين ومخلصين لعجوز كبير في السن أين المصلحة هنا ؟
المصلحة والدافع هنا ... الله .. الأجر .. المثوبة .. الدين .. المجتمع .. هنا هدف ودافع ... ومصلحة .. صدقوني بدون ذلك لن يقدم الأبناء إلى آبائهم وامهاتهم أي شيء ... وهذا واضح وجلي في الغرب .. تفكك أسري عجيب .. حتى تعطي لا بد أن يكون هناك دوافع .. لا بد أن يكون هناك مصلحة أو فائدة أو ثمرة ... وأقواها أقصد الدوافع وأصلبها وأصدقها .. هو طلب ما عند الله أو التدين ... ولذلك نصيحة .. ربوا أبنائكم على الدين والتقوى ... لا تمررون أخطائهم وتجاوزاتهم الدينية وتقصيرهم ... حتما ستنقلب عليكم .
نرجع لخرافة الضمير ...
الغرب أبدع وانتج ... والغرب منظم وراقي لا لأن ضميره حي بل لأن القانون صارم لا يرحم والرقابة قوية جدا . أيضا الكثير منهم متدين .. فهم يتقربون بالإخلاص والاتقان إلى ربهم حسب مفهومهم ..
ليتنا نتقرب إلى خالقنا نحن أيضا بترك الكذب والتدليس ...
ليتنا نتقرب نحن أيضا إلى خالقنا بترك النصب والاحتيال ..
ليتنا نتقرب نحن أيضا إلى خالقنا بالتفكير والإبداع والإخلاص في العمل
وحتى نثبت خرافة الضمير إليكم هذه القصة الافتراضية ..
شخص ملحد ... يعني لا يعترف بوجود الله إطلاقا ولا بالجنة ولا بالنار .. ويحب المال حبا جما ... جاءته فرصة لسرقة مليون ريال .. والوضع آمن تماما لن يعرف أحد من البشر بذلك أبدا .. ولن تلحقه أي مسئولية لا من قريب ولا من بعيد ..
السؤال .. وأريد الإجابة بمنتهى الصدق ... هل سيأخذها أم لا .
الجواب المنطقي .. نعم سيأخذها .. لأنه لا يوجد أي شيء يخاف منه أبدا .. لا فضيحة .. ولا مسئولية .. لا عاجلا ولا أجلا
ومن يقول انه لن يأخذها .. فهو لم يحترم عقله ولا عقولنا .
أيضا نفس المشهد يتكرر مع كل التجاوزات وارتكاب المحرمات ... في عدم وجود الرقابة والقانون .. في عدم وجود التدين .. سوف تُرتكب المحرمات بدون ادنى تردد ..
انظروا ماذا يحدث في الحروب والمظاهرات .. عندما تعم الفوضى .. تتحول المجتمعات المدنية المتطورة والمتحضرة إلى غابة .. نهب وسلب
والخلاصة أيها الأحبة حتى لا أطيل عليكم :
نصيحة لا تثقون في الضمير المجرد ... وهذا يعني بلغة أكثر وضوح .. لا تثقون في ( قليل الدين ) بمفهومنا العامي .. فالذي لا يخاف ربه .. لا تأمنه .. سوف يتحول إلى وحش في أول فرصة وسوف تكون أول فريسة له عند غياب الرقابة والقانون .
كانت هذه مجرد بعض الأفكار احببت أن أشارككم فيها .. إن اتفقتم معي فهذا شرف لي أن اتشاطر معكم الفهم وإن اختلفتم معي فالاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية .
هذا وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليما كثيرا
كتبها / حامد علي عبد الرحمن ..
التعليقات