من ينقذ التعليم ؟؟؟ / الشاعر حسن محمد الزهراني
مقالة متميزة للشاعر حسن الزهراني وهو من هو .. قامة تعلمية .. تربوية .. إدارية .. أدبية
مقالة ثرية جدا .. خلاصة تجربة وخبرة سنوات طويلة .
من ينقذ التعليم ؟؟؟
‼‼‼‼
لا يشك إنسان أن التعليم هو السبب الرئيسي وربما الوحيد في رقي الأمم أو انحطاطها . والشواهد كثيرة وجليّة ولست بحاجة لضرب أمثلة هنا.
لقد أصبحنا جميعاً نبكي حال التعليم في بلادنا العربية عامة وفي وطننا
العزيز خاصة وطال نوحنا دون أن نقدم شيئاً يذكر حول الخروج
من هذا الهم المدلهم0
طوال عملي في الإدارة المدرسية والذي تجاوز ربع قرن ونحن نرى كل عام تراجعا واضحا في مستوى التعليم وكلٌ منا يرجع السبب إلى عنصرٍ ما من العناصر الرئيسية – المناهج – المقررات – الخطط – المعلم – الجامعات – المباني – الميزانيات – الوزارة – إدارات التربية والتعليم – المشرفين – الطالب – البيت ... الخ
وكل من فكّر أو كتب حول هذا الموضوع اقترح حلولاً متفاوتة في الجودة حسب علمه ووعيه وتطلعاته. ولا أعتقد أن إنسانا ينبض قلبه بالوطنية الحقة يرى ما يجري ويرضى به خصوصاً وأننا والحمد لله دولة لا تشكو ضيقاً مادياً يعطّل ما تطمح إليه فبلادنا من أغنى دول العالم بل إن لها بصمات واضحة
في دعم التعليم خارج الحدود والأهمّ من هذا أن (قيادتنا الحكيمة) لا تدخر وسعاً في توفير كل ما من شأنه رفعة هذا الوطن وسعادة وتقدم أبنائه 0
فأين الخلل إذاً . أين الخلل 0 ؟؟؟
إنّ مكمن الفشل هنا هو في ( التخطيط ) و ( المتابعة )أو الرقابة.
فالقصور الفاضح في التخطيط يجعلنا نُصاب كل عام بخيبة جديدة ولو تقدمنا خطوة تراجعنا خطوات لأن الأهواء التي تقود هذا القطاع الركيزي تختلف من شخص لآخر كلّ يجتهد حسب إمكاناته ووعيه ورغبات المزمرين له.
لماذا؟
لأنه لم يجد خطة مقننة يسير وفقها ويجتهد ويطور ويجدد في حدودها ولم يرَ في من حوله من أقرانه من نال مكافأة على نجاحه أو عقاباً على تقصيره وبالتالي فهو في كلا الحالين لن يخسر شيئاً ولو وقعت كارثة على يديه فإننا في أقسى الحالات سننحيه عن عمله وتنتهي القضية بأن يكون مستشاراً يقبض راتبه بلا عمل 0
الله الله كيف يسيطر الواحد من هؤلاء على قطاع من القطاعات الحيوية في بلادنا مدة عشر سنوات أو حتى أربع أو ثلاث ( وعندما يخفق نضرب له التحية ونعطيه رتبة ومرتّباً بكل تقدير ) ودون عناء ونكرّمه في حفل بهيج ونقدّم له الهدايا والمكافآت من كل الجهات مقابل أنه لم يحرّك ساكناً طول هذه المدة وأنه يستلم ميزانيته وينفقها قيما أنفقه العام الماضي وهكذا أو........
ففي قطاع التعليم مثلاً طوال المدة الماضية نسمع عن خطط عشرية
أو خمسية أو أقل من هذا أو أكثر.ولكن من وضعها ؟ أين نتائجها ؟ من وقف أمامنا في وسائل الإعلام ليخبرنا مدى النجاح أو الفشل ومسبباته والبديل للخطة المقبلة؟
إذاً : يجب أن نبدأ في خطوتنا الأولى : باختيار لجنة عليا لوضع
(خطة عشرية) للتعليم في المملكة وتكون هذه اللجنة من نخبة من المتخصصين والتربويين والعاملين في الميدان بدءاً بما قبل المرحلة الابتدائية ونهايةً بالمرحلة الجامعية ولا بد من مشاركة المجتمع بجميع فئاته في هذه الخطة وأخذ الآراء والتطلعات من كل هذه الشرائح المهملة حالياً والتي هي ركن ركين من هذه المهمة بشرط ألا تدخل المحاباة و(الواوات) والوجاهات في اختيار هذه اللجنة كما يحدث في كل لجاننا المحلية0
أما الخطوة الثانية: فهي خطوة (البحوث العلمية) التي يجنّد لها من المتخصصين في هذا المجال نخبة بارعة وتُعطى هذه النخبة كل المميزات من تفرغ وحرية في الاستعانة بخبرات من سبقونا في هذا المجال ويخصص لهم ميزانيات خاصة لهذا الغرض لينفقوا منها بكل حرية وبعد الفراغ من بحوثهم العلمية تعرض أيضاً على نخبة أخرى توائم بين هذه البحوث وتدرسها بعناية وتناقش أصحابها حول ما طرح من رؤى ليصل الجميع إلى رأي موحد يستخلص أفضل ما يناسب المرحلة0
إن كل فكرة أو خطة تبدأ ببحث علمي محكّم ودراسة واعية سيكتب لها النجاح بإذن الله0
أما الخطوة الثالثة والتي تلي البحث: فهي (إعداد كل ما يلزم للتنفيذ قبل البدء) من ميزانيات وتدريب من سيتولى التنفيذ قبل البدء وتهيئة الأماكن التي سيتم فيها التنفيذ بداية بالمدارس ونهاية بالجهات المعنية في الوزارة تهيئة كاملة لا تحتاج إلى إضافات خلال مدة الخطة المقبلة....
أما الخطوة الرابعة: فهي (الإعلان عن الخطة) وإشاعة فقراتها كاملة في جميع وسائل الإعلام بل وابتكار وسائل أكثر فاعلية وإثارة لإيصال أهداف الخطة وفقراتها وخطوطها العريضة لكل شرائح المجتمع وتسخير كل الإمكانات لذلك .
وإذا أردنا أن نصل إلى ما نصبوا إليه فإن علينا أولاً أن نرّكز همنا على (المعلم ثم المعلم0 ثم المعلم)0
نعيد له (هيبته) ليس بإعطائه (عصا وفلكة) بل نعلمه كيف يكتسب هيبته بما يملك من قدرة على التأثير والتغيير بعد تدريبه في معاهد متخصصة وليس في (آلية إشراف باهته)0وإذا تأكدنا من إعداده الإعداد الجيد وضعنا له ميزات مادية ومعنوية0
أما المادية: فلا أظن أن الأمر سيكلف شيئاً أكثر من جزء يسير من
(المليارات التي تعلن كميزانية للتعليم ) لنجعل كل موظف في الدولة يتمنى أن يكون معلماً0
وأما المكانة: المعنوية فتكمن في (المميزات) التي يخص بها المعلم في كافة قطاعات الدولة والمحافل الرسمية والغير رسمية لتجعل بطاقة المعلم وساما
لا يتردد كل معلم في إبرازها على صدره دائما لأن مصير الوطن بين يديه فإن أكرمناه أكرمنا الوطن وإن لم يكن فلا نلوم إلا من لم يعط المعلم حقه...
إن المعلم عندنا يأتي إلى المدرسة بعلمه الذي اكتسبه في الجامعة كثيرا كان أم قليلا وليس لديه أي فكرة عن مهمته التربوية ورسالته السامية . يأتي إلى المدرسة وكل فكرة منصب على :– مقرر – حصة – اختبار ، أما الرسالة التربوية والإعداد النفسي وفن التعامل و القدرة على التأثير والتغيير فلا شيء من هذا إلا من رحم ربك وهم قلة قليلة..
سنتعب في البداية أو في الخطة الأولى وربما الثانية أما بعدها فأعتقد أن خطتنا إذا كانت ناجحة فإن المخرجات ستكون مهيأة تلقائياً لممارسة الدور الحقيقي والمثالي للمعلم 0
ولن أنسى أهم ركائز البيئة المدرسية ( المبنى) ولو عُرض هذا الأمر على إنسان مخلص لما استغرق عامين دراسيين إلا وكل مدارسنا مهيأة تهيئة شاملة ومتكاملة تجعل الطالب ينتظر الساعة التي يلج فيها باب المدرسة.... أما (مدير المدرسة) فهو السقف الذي يظل كل ما سبق وهو القلب النابض والعقل المدبر يقول الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله (أعطني مديرا ناجحا أضمن لك أمّةً ناجحة) . إن من ينظر إلى معايير الترشيح لإدارة مدرسة عندنا يضحك ملء شدقيه ويزداد ضحكا إذا قرأ أسئلة الاختبار التي توضع أمام المرشحين وتختتم المهزلة بمقابلة شخصية ولا تسأل عن لجنة المقابلة وما يدور في هذه المقابلة !!! ولا أظن الإشراف التربوي أحسن منه حالا خصوصا وأن للمشرف دوره الهام والهام جدا..
ومن الأمور التي تقلقنا تدنّي (مستوى الطلاب) ونسيانهم لما يتعلمون وضعف المستوى وعدم قدرة الطلاب على التعلم الذاتي والابتكار ولم ننظر إلى المقررات التي يدرسها أبناؤنا والتي مهمتها الحشو فقط دون استثارة التفكير لديهم وتكليفهم بدراسة مالا يطبقون في حياتهم 0
ولنأخذ مثلاً طلاب المرحلة الابتدائية حيث يتخرج الطالب من الصف السادس وهو مهيأ لأن يكون معلماً من خلال الكم الذي يأخذه بعشوائية في هذه المرحلة
وهذا يعود إلى أننا كنّا بحاجة قبل (نصف قرن) لمعلمين بعد المرحلة الابتدائية ونسينا تغيير شيئاً منذ ذلك الحين حتى اليوم إلا بعض التغييرات الطفيفة التي ربما لا تتجاوز غلاف الكتاب ثم يرتفع المنسوب في المرحلة المتوسطة وكذلك الثانوية. ثم لننظر بوعي إلى (هيكل المراحل) التعليمية عندنا ( 6 سنوات ابتدائي ، 3 سنوات متوسط ، 3 سنوات ثانوي ) هل ما زال هذا الهيكل صالحاً منذ غابر الزمن إلى الأبد؟
ثم تعالوا ننظر في (زمن الحصة) الدراسية المقنن (بـ 45 ) دقيقة لطلاب الصف الأول الابتدائي من الأسبوع الثاني من الدراسة ويساويهم في هذا طلاب الصف الثالث ثانوي: يااااااااااااا للعدالة!!
كذلك تفاصيل يومنا الدراسي ( بداية ونهاية. عدد الحصص. نوعيتها . زمنها مدى الاهتمام بالترفيه والتشويق فيها ) وخذ مثالاً شغف طلابنا الغير معقول بحصة الرياضة أما يثير فينا تساؤلاتٍ كبيرة تجعلنا نعيد التفكير في أسباب هذا الشغف وتطبيقها على ما نريد من المواد الأخرى ؟ لقد لعب الإعلام دوراً كبيراً في هذا العشق الرياضي الباهر ولم نستفد من الإعلام في تعليمنا. فأين القناة أو القنوات التعليمية عندنا ؟ أين القنوات التي تنشر أخبار – العلماء- والكتب - معارض الكتاب – الندوات – والأمسيات الثقافة والأديبة أو على الأقل تجذب أبناءنا للقراءة من خلال الإعلانات المشوقة لقصص الأطفال كقراءة بعض أجزاء منها وحثهم على البحث عنها ليكمل القصة. ثم نتدرج بعد إلى الكتيبات التثقيفية والمعلوماتية والكتب الكبيرة بعد ذلك . ليجد كل طالب ما يناسب مرحلته ولنخلق جيلاً (يعشق) القراءة دون أن (يُجبر) عليها وسنرى مستقبلاً الكثير من أبنائنا ينتهز فرصة الفراغ لا ليقضيَه في لعب الكرة ومتابعة الأفلام والمسلسلات الكرتونية وإنما ليقرأ قصة أو مجلة أو كتيباً أو كتاباً أو غيرها.. أعجزت وزارة كوزارة التربية والتعليم في دولة كدولتنا الغنية عن إنشاء قنوات فضائية تعليمية تبث للطالب ولولي أمرة في بيته حصصاً دراسية تشرح
الدروس التي يتلقاها الطلاب في المدارس بطرق علمية مشوقة من قبل معلمين متخصصين يعرفون كيف يجذبون انتباه الطالب ويجعلونه يتفاعل مع
الدرس ويشارك فيه وهو في بيته حتى لا يقتصر دوره على السماع السلبي فقط . وربما يستفيد من هذه الحصص المعلم في فصلة إن شاء 0
فإن عجزت وزارتنا عن عمل ما سبقتنا إليه دول تعاني الفقر بل وإننا نمدها في مجالات كثيرة بما أفاء الله به علينا من المال / فأين حثها لرجال الأعمال على استثمار مثل هذا المشروع الذي سيدرّ عليهم وعلى الوطن ربحاً كبيراً؟؟
أمّا شكوانا من أن (طلابنا أنهم يحفظون) فقط فليس الخلل منهم بل من آلية الاختبار لأننا نرغمهم على الحفظ قسراً نعلّم الطالب المقرر ثم نطالبه بحفظه ونختبره فيه من ( 100 درجة ) نهاية العام. إذن لم نطلب منه أن يفكر أو يبتكر بل طلبنا منه أن يحفظ وكأنه (دلو ماء) يُملأ ثم يفرّغ ولا يبقى فيه شيء إلا ما علِق به ولمدةٍ قصيرة ثم يتبخر.. ولو أننا وضعنا في مقرراتنا (50 درجة ) لما يكتسبه الطالب من المقرر و( 50 درجة ) على عمله هو وابتكاره ، أو محاكاته ،أو تطبيقه لما تعلّمه أو طريقة تفكيره لوصلنا إلى مبتغانا ولتحقق رسوخ المعلومة في ذهن الطالب ولكسبنا ابتكاراتٍ مُذهلة من طلابنا دون بكاء ولا عويل على حالنا التعيس مع مخرجات تعليمنا المتردية وبإمكاننا أن نشرك ولي الأمر وإمام المسجد وزملاء الطالب والمدرب في النادي أو الصالة
الرياضية التي يرتادها الطالب لنحصل على نصف درجة الطالب في مادة السلوك مثلاً أو الوطنية أو الحديث وقس على هذا في مواد لها مجالات أخرى000
أما عن (الاحتفالية المرعبة) التي نقيمها في نهاية كل فصل دراسي والمسماة (بالاختبارات) النهائية فحدث ولا حرج / أسئلة . لجان . مظاريف . أختام . سرية . ملاحظين . تفتيش . رهبة لا حدود لها والنتيجة حفظ معلومة مدة شهر أو أقل أو أكثر حسب ذهنيات الطلاب ثم تذهب بلا رجعة لأننا تعاملنا مع الذهن ولم نتعامل مع الذاكرة .أليس بالإمكان توزيع درجات هذا الاختبار على أشهر الفصل الدراسي بحيث تكون درجة أول شهر أوثاني شهر أو آخر شهر
(10 أو15)درجة ؟؟؟ ونقضي على هذا (الغول) بكل يسر شريطة أن يعد المعلم لهذا إعدادا واعيا ..
إن أم المعضلات عندنا أننا مازلنا نعطي الطالب ونعامله معاملة الطالب الذي كان يجلس هنا قبل نصف قرن ولم نحسب لكل هذا التغيير المذهل والتطور
المتسارع أيّ حساب في مناهجنا الدراسية أو مقررات المواد التي يدرسها طلابنا ،والدليل على ما أقول هو التفاوت بين مخرجات التعليم لدينا ومتطلبات سوق العمل لأننا رسخنا في ذهن الطالب من خلال ما يدرسه أنه سيتخرج ويجد أمامه مكتبا وكأس شاي. وبدلا من أن نجعل جزاء من متطلبات النجاح في المرحلتين المتوسطة والثانوية إتقان صنعة يدوية حسب الميول والقدرات)
أنشأنا معاهد (مهنية) ارتبطت في أذهاننا بأنها ملاذٌ للفاشلين في دراستهم ...
أذكر أنني سألت الدكتور/محمد الرشيد رحمه الله أثناء اللقاء الأول لمديري المدارس مع الوزير عن مقدار ما (تصرفه الوزارة على كل طالب سنويا) فسمعت مبلغا خياليا فطرحت علية فكرة خصخصة التعليم كاملا فضحك وقال :لو تحقق هذا لسبقنا العالم في التعليم والفكرة تتلخص في: (تحديد مقدار ما تنفقه الدولة خلال العام الدراسي على كل طالب) ويصرف المبلغ لكل مدرسة بحسب عدد طلابها ونفتح أبواب المنافسة للمستثمرين في التعليم وسنرى العجب العجاب ولكن شريطة أن تكون هناك شروط صارمة في مواصفات المبنى المدرسي والمرافق ومؤهلات وخبرات المعلمين والخدمات الجاذبة وكل هذا مُحاط بمتابعة وإشراف دقيقين من قبل الوزارة على سير الدراسة ونتائجها .
وسنرى حرص المستثمر على كسب ودّ الطالب وولي أمره والوزارة أيضا. وحرص ولي أمر الطالب على اختيار المدرسة المناسبة لفلذة كبده0
و أن تطالب الوزارة جميع طاقم التعليم بشهادات في فن الإدارة والتقنية وفن التعامل والتربية والتعليم وغيرها وتكون هذه الدورات في معاهد أو جامعات
متخصصة ويطلب من كل من يعمل في هذه المدارس شهادة معتمدة لتطوير القدرات ومواكبة العصر بعد كل أربع أو خمس سنوات أثناء عمله 0
ولو نجحت الوزارة في هذه الفكرة لأراحت واستراحت وحققت لنا كل ما نحلم به في أجيالنا المقبلة.
ولابد أن يواكب هذا التغيير ما يناسبه في التعليم الجامعي وما يليه.....
أطرح هذا الموضوع وأنا على يقين أن هناك أفكارا بناءة لدى كثير من المشغولين بالتعليم والمخلصين للوطن تضاف إلى ما طرحت هنا أو تأتي بأفضل منه فالهدف أسمى من أن نتسابق على الأفكار التي ربما سُبقنا إليها
منذ زمن بعيد ...
والله من وراء القصد
*******
حسن محمد حسن الزهراني
1428
التعليقات