• ×

07:59 مساءً , السبت 19 يونيو 1446

نرجسية الآباء والأمهات / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  2741
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 نرجسية الآباء والأمهات / حامد علي عبد الرحمن .
أيها الإخوة الكرام : حديثنا اليوم سيكون مختلف قليلا عما ألفتموه في خطب الجمعة سيكون عن نرجسية الآباء والأمهات في تربية أبنائهم .. والحقيقة إنها امتداد لخطبة سابقة تحدثنا فيها عن حقوق الأبناء ..
في البداية دعونا نعرف النرجسية : هي اضطراب نفسي يصاب صاحبه بداء العظمة المرضي أو الأنا المتضخم يُعزّز شعور الشّخص بأهميّته الخاصّة وحاجته للإعجاب، يشعر المُصاب بعدم الرّضا لعدم حصوله على الامتيازات أو الإعجاب أو المدح والثناء الذي يعتقد أنه يستحقّه . دائما ما يحرص المصاب أن يكون في دائرة الضوء ودائرة اهتمام الآخرين به .. بينما هو كثيرا ما يحاول تجاهل الآخرين ويحاول التقليل من شأنهم وخاصة المتميزين
ينعكس هذا الاضطراب النفسي على شخصيات الآباء النرجسيون المصابون به وبالتأكيد هم لا يعلمون ولا يدركون ذلك .. بل على العكس يعتقدون أنهم أفضل الناس .. هذا الاضطراب النفسي يأخذ صور متعددة سوف نشير إلى أشهرها .. عادةً ما يكون الآباء النرجسيون قريبين من أطفالهم على نحو حصري وتملكي كما أنهم قد تنتابهم مشاعر قلق بشكل خاص من استقلال أطفالهم المتزايد. .. وأمام هذا الاستقلال، قد ينتاب الوالد إحساس بالفقد أو الخوف من الفقد ، حيث كان الطفل يعمل بمثابة مصدر مهم لإكسابه شعورًا بالتقدير الذاتي وقد يؤدي ذلك إلى ما يُطلق عليه بالتعلق النرجسي .. وهي فكرة أن الطفل موجود دائمًا لمصلحة والده.
من صور تلك الشخصية إنها مشغولة بنفسها دائما إلى حد كبير، وتبالغ في تقدير ذاتها كما تسيطر عليها فكرة حماية صورتها الذاتية ، ويتجه سلوكها مع الأشخاص ليصبح غير مرن ، وغالبًا لا يتمتع أصحاب هذه الشخصية بالقدرة على الاعتراف بالخطأ أو الشعور بأي تشاطر أو قواسم مشتركة مع الآخرين .
نجد الوالد الطبيعي في الغالب .. يسمح وباطمئنان بدرجة كافية لاستقلالية الطفل ويساعده على تشكيل شخصيته المستقلة بينما نجد أن الوالد النرجسي بصورة مرضية .. يعيق طفله ولا يسمح له بالاستقلال .. يخاف على طفله خوفا غير مبرر خوفا مبالغا فيه ولذلك يسلبه الكثير من الحريات والصلاحيات .. أو يمنحه الكثير من الدلال والعطاء .. لا حبا فيه ولكن حرصا على التملك .. الخوف هنا والحب هنا ليس بدافع الفطرة فقط ولكنه ناتج عن حبه للتملك فهو يرى الطفل هذا جزءا منه وصورة منه ويستبعد ويدافع فكرة الانفصال عنه بأي شكل من الأشكال .
يصل الحال ببعضهم إلى حرمان أولادهم من السفر بمفردهم أو من المشاركات الخارجية .. أو من الاندماج في المجتمع . رغم أهليتهم . ورغم الحاجة أحيانا
وتستمر هذه النرجسية إلى سن متقدمة أحيانا.. إلى درجة أن بعض الآباء وبعض الأمهات . يؤخرون زواج أولادهم خوفا من فقدهم أو خوفا أن يأتي أحد ليأخذهم منهم .. ومن أكثر صور هذه الشخصية الواضحة أو دعونا نقول من أكثر أثراها وضوحا تلك الخلافات التي تحدث بين الزوجات وبين أمهات الأزواج .. ذلك ما هو الغالب إلا نتيجة لهذه الشخصية .. فحب الأم لابنها الحب المرضي يجعلها تغار من الزوجة غيرة مرضية .
ترتكز النرجسية على شعور منخفض للغاية بتقدير الذات، فأصحاب الشخصية النرجسية ، يسعون لمراقبة ما يفكر فيه الآخرون والطريقة التي يتصرفون بها. وللآباء النرجسيون سلوك معين مع أبنائهم ؛ فهم يصرون . على أن يمثلهم أبناؤهم في المجتمع بطريقة تلبي احتياجاتهم العاطفية .. وبطريقة تشبع الأنا المتعالي في أنفسهم . ولذلك كثيرا ما يتحدث الآباء النرجسيون عن صورة العائلة والمحافظة عليها بشكل مبالغ فيه وكأنها سلالة نادرة وكأنهم يمتلكون خصائص وصفات لا توجد في غيرهم .. وقد يصل بهم الأمر إلى حد المبالغة في عقاب أبنائهم على إظهار الضعف، أو كونهم حساسين للغاية ، أو لأنهم لم يكونوا عند حسن ظنهم .
لا شك في أن الآباء يرغبون في أن يكون أبناؤهم أحسن منهم وأن يمثلونهم أحسن تمثيل وهذا طبيعي جدا بل مثالي ومطلوب .. ولكن .. المبالغة .. هي التي تخرج بالإنسان عن الوضع الطبيعي . المبالغة في الخوف عليهم .. المبالغة في الدلال .. المبالغة في القسوة .. الفرق بين الشخصية السوية والشخصية النرجسية هو الدافع والمبالغة ..
وعندما نقول الدافع .. نقصد الشخص السوي يدفعه الحب الغريزي فقط ولذلك يحرص على سعادة أبنائه أما الشخص المريض فلا يهمه كثيرا رضى أبنائه يهمه بالدرجة الأولى ماذا قدموا له وإلى أي حد اشبعوا الأنا بداخله . كن مهندسا أو طبيبا .. حتى ولو لم تكن ترغب في ذلك .. تزوج فلانة أو تزوجي فلان حتى ولو لم يكن هناك رغبة أو حب . والآباء والأمهات النرجسيون .. يريد الواحد منهم أن يكون محور اهتمام أبنائه دائما يكثر الشكوى ويختلق الاعذار ، دائما يختبر حضوره في أذهانهم وإلى أي حد . ومن الأمثلة المنتشرة كثيرا.. تلك الأم التي تتخذ زوجة ابنها عدوة لدودا لها تتصيد اخطاءها وتعنفها بأشد الألفاظ وتظهر عيوبها ولا ترضى عنها وتتضايق عندما تُمدح أمامها والسبب الأساسي الغيرة وحبها لولدها إلى درجة التملك .. لا يهمها أن يكون سعيدا في حياته بقدر ما يهمها أن يهتم بها ولا يهتم بغيرها .. لا تريد أن تخسر جزءا من مشاعره لأي شخص أخر حتى ولو كانت زوجته . ومثال أخر .. أب يحاصر ابناءه بشكل كبير .. خوفا عليهم .. والحقيقة أنه خوف على نفسه التي يراها فيهم .. والخوف هنا يأخذ صورتين .. إما قسوة كبيرة جدا ليبقيهم تحت سلطته .. أو عاطفة كبيرة جدا تغرقهم .. أمّن لهم كل شيء .. لا يرد لهم طلباً .. لا يكلفهم بشيء .. حتى أبسط الأشياء يقوم هو بنفسه بها .. يضّيق عليهم كثيرا في علاقاتهم الخارجية .. خوفه المرضي أصبح هاجسا وهذا في الغالب يؤدي إلى نشوء اطفال غير أسوياء حتى ولو كانوا ناجحين دراسيا . وفي الغالب أيضا هذا الأب أو هذه الأم هم من يدفع الثمن بعقوق أبنائهم مستقبلا .. وربما يدفعون الثمن عاجلا باستغلال الأبناء لهم .. يستغلون الحب الكبير لهم والخوف الكبير عليهم .. فتتحول العملية إلى مساومة ..أدرس ولكن بمقابل .. أعمل ولكن بشرط .. أو تهديد .. أعطوني كذا وإلا سوف أفعل كذا .. التعاطي معهم والتجاوب مع طلباتهم هذه يجعل منهم شخصيات ضعيفة مستقبلا .. شخصيات معاقة نفسيا واجتماعيا .
أحيانا نرجسية الأب تأخذ صورة مغايرة بعض الشيء .. الإهمال والانسحابية .. لا يسأل عن مستواهم الدراسي ..لا يسأل عن اهتماماتهم .. لا يتابع .. مشغول في نفسه أو مع نفسه .. أما مشاريع دنيا أو مشغول في عاداته السلبية السهر والسفر والرحلات والاستراحات والمقاهي .. وغيرها . يحاول تأمين الماديات لهم حتى لا يشغلونه ولا يزعجونه وكواجب فقط لا غير .. نرجسية تجعله يتهرب من مسئولياته .. يقضي الولد أو البنت ساعات أمام هذه الأجهزة المخيفة .. صداقات منفتحة .. مشاهدات منفتحة .. عالم مخيف فعلا دون رقابة .. أو متابعة من الأهل .
أيها الأخوة الكرام ..
إن الآباء النرجسيين يتسببون في تنشئة ذرية تتسم إما بالنرجسية أو التبعية
أيضا بسبب نرجسيتهم والأناء المتجلية عندهم يضيع الأبناء فهم غير قادرين على المواءمة والجمع عاطفيًا بين احتياجاتهم الشخصية واحتياجات الآباء والأمهات المبالغ فيها . وبذلك تنتج عقد الاحساس بالذنب والتقصير والعقوق لدى الأطفال ..
إن من أسواء نتائج تربية الشخصية النرجسية هو تنشئة الأولاد على الجبن والخوف والهلع والفزع .. يحبونهم كثيرا فيضطرون إلى تخويفهم من الشارع ومن الأغراب ومن الغول ومن كل شيء تقريبا .. حتى من الطبيب والمستشفى كل وإلا سوف نذهب بك إلى المستشفى .. يخوفونهم ليحققوا لهم ما يريدون من اشباع حاجاتهم العاطفية ويحققوا لهم الرضى الذاتي .. فينشأ الولد جبانًا رعديدًا يَفْرَقُ من ظله ويخاف من الحشرة ... ومن الأمثلة التي نلمحها كثيرا الجزع والخوف الكبير إذا وقع الطفل على الأرض وسال الدم من وجهه، أو يده، أو ركبته، فبدلاً من أن تبتسم الأم، وتهدئ من رَوْعِ ولدها وتشعره بأن الأمر يسير تجدها تهلع وتفزع، وتلطم وجهها، وتضرب صدرها، وتطلب النجدة من أهل البيت، وتهول المصيبة، فيزداد الولد بكاءً، ويتعود الخوف من رؤية الدم، أو الشعور بالألم .
من صور تربية الشخصية النرجسية تربية الأطفال على الميوعة والفوضى، وتعويدهم على الترف والنعيم والبذخ .. فينشأ الولد مترفًا منعمًا، هَمُّه خاصة نفسه فحسب، فلا يهتم بالآخرين، ولا يسأل عن غيره ، لا يهمه أفراح الأخرين ولا أحزانهم .
ولأن الشخصية النرجسية ترى نفسها فوق الآخرين فهي تبالغ في إحسان الظن بأبنائها .. فبعض الآباء يبالغ في إحسان الظن بأولاده، فتجده لا يسأل عنهم، ولا يتفقد أحوالهم، ولا يعرف شيئًا عن أصحابهم، وذلك لفرط ثقته بهم، فتراه لا يقبل عدلاً ولا صرفًا في أولاده، فإذا وقع أولاده أو أحد منهم في بلية أو ارتكب خطأ ، أو انحراف عن الجادة ، ثم نُبه الأب إلى ذلك بدأ يدافع عنهم ويلتمس لهم المعاذير ويتهم من نبهه أو نصحه بالتهويل والتعجل والتدخل فيما لا يعنيه.
أيها الأحبة : كلنا فينا جزء من هذه النرجسية .. كلنا نحب أنفسنا وأبناءنا .. وننسى أنفسنا أحيانا ونتمادى في الخوف عليهم ..
الخوف عليهم من المرض .. الخوف عليهم من الفشل .. وهذا طبيعي إلى حد ما
لكن الحذر كل الحذر من المبالغة .. المبالغة تخرجنا من حبنا لهم إلى حبنا لأنفسنا .. وهنا فرق كبير جدا .. وحتى نتشافى من هذه لشخصية ونخرج من سيطرتها علينا يجب علينا التوزان
ووضعُ الندى في موضع السيفِ بالعلا *** مضرٌّ كوضع السيفِ في موضع الندى
التوزان يعني الحزم وقت الجد .. واللين وقت اللين
فقسا ليزدجروا ومن يكُ حازما * فليقْسُ أحيانا على من يرحم
الخروج من رق هذه الشخصية بالعلم والتعلم .. بالنظر إلى أفاق ارحب وأوسع بالاندماج في المجتمع بقراءة الآخرين وتجاربهم .. إن أعدى اعداء التعلم والتطور والتغيير .. هو الانغلاق على الذات
الانغلاق على الذات يجعل الإنسان لا يبصر اخطاءه .. وبذلك يصر ويستمر عليها
ونختم بهذه الإضاءة لمن أوتي فهما : إن استمرار الآباء في العادات السلبية دون مراعاة لخطورة القدوة وتأثيرها على الأبناء .. لهو قمة النرجسية والأنانية .. فحبا لله اتركوا عادتكم السلبية ضحوا قليلا .. رحمة وشفقة بأبنائكم ..

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 07:59 مساءً السبت 19 يونيو 1446.