التغيير .. أو كيف اتغير ؟ / خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
0
0
2350
04-01-1438 05:59 مساءً
التغيير .. كيف اتغير ؟ / خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
الحمدُ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونستهدِيهِ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فهوَ المهتَدِ، ومنْ يُضْلِلْ فلَنْ تجدَ لهُ وليًا مُرشِدًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى أله وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }.
أيها الأخوة الكرام :
مراحل التغيير ... أو كيف أتغير ؟ .. هذا هو العنوان المقترح لخطبة هذه اليوم .. وقفات سريعة .. وقواعد ذهبية .. إطلالة وقراءة وتأمل .
قال الله جل وتبارك وتعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ فالسنة الإلهية اقتضت أن تكون بداية التغيير من العبد نفسه .. فهو من يملك الخطوة الأولى .. هذا ما نصت عليه الآية السابقة .. حتى يغيروا ما بأنفسهم ..
دعونا نتأمل قصى أصحاب الكهف
ماذا قال جل وتبارك عنهم .. (( نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ))
إنهم فتية أمنوا بربهم .. هذه هي البداية .. ثم ماذا ؟ .. زدناهم هدى .. ثم ماذا ؟ وربطنا على قلوبهم .. إذا البداية تكون من العبد .. عندما نتابع مع قصة أصحاب الكهف وهي تختصر مراحل وشروط التغيير . نلحظ أن أول الخطوات نحو التغيير تبدأ من الاعتراف بالوضع الراهن سواء للشخص أو بيئته المحيطة بكل شفافية وصدق ووضوح دون محاباة أو مجاملة .. قال تعالى على لسان أصحاب الكهف : هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ..
إذا أول الخطوات .. تحديد الخطأ وبكل وضوح وصراحة والاعتراف به .. ويمكننا أن نسميها جلسة مراجعة ومصارحة .. وهي أن تجلس جلسة صريحة مع نفسك .. وتتساءل هل أنت راض عن كل ما تقوم به ؟ .. وماذا بعد .. تعترف بإخطائك وتقصيرك وعيوبك .. وتقر بها بكل شفافية وصدق وبدون تهرب أو إسقاطات .. وتسلسل وتسجل النقاط أو السلوكيات التي تحتاج إلى إعادة التفكير فيها والعمل عليها .. تحددها واحدة واحدة .. ثم تضع خطة عمل مناسبة .
قد يقول قائل .. عندما تقول إنهم فتية أمنوا بربهم .. نحن جميعنا مؤمنون .. فلماذا لم يزدد البعض هدى ..
الجواب أيها الأخوة الكرام : الإيمان أقسام ومراتب .. حسب إيمانك يكون عملك .. حسب إيمانك يكون تنفيذك ومبادرتك .. فمثلا لو أن أحدا اخبرك بأنه بعد أسبوع سيحدث زلزال في المنطقة التي تعيش فيها .. إن كنت تصدقه وتؤمن بما يقول .. سوف تسارع وتبادر لأخذ الحيطة والحذر.. وإن كان إيمانك بما يقول وتصديقك أقل سوف تكون المبادرة أقل وربما تقوم بمبادرة بسيطة احتياطا .. وهكذا التدرج في سرعة التنفيذ والمبادرة بقدر إيمانك وتصديقك وربما يصل الأمر إلى عدم الاكتراث لعدم التصديق .. وإليكم مثال لأعلى مراتب الإيمان والتصديق ونتائجه المذهلة .. إنه يتمثل في قصة سحرة فرعون . انظروا ماذا يصنع الإيمان الحقيقي من تغيير فوري وجذري ونقلة نوعية . هذه القصةُ التي لا تفنى عجائبُها، السحرةُ الذينَ أتوا إلى فرعونَ باستجداءٍ يقولونَ له: (أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ). ويخاطبونَ فرعونَ بعبوديةٍ تامة فيقولون: (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ). لما استبانَ لهم الحقَ وآمنت قلوبُهم بالله وعظمته وقدرته ، حدثَ التغيرُ العجيبُ والانقلابُ الكامل فإذا الذين كانوا يقولون بعزةِ فرعون إنا لنحنُ الغالبون، إذا بهم يقولون: (آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ).
إيمانا جعلهم لا يخافون الموت ولا العذاب ويستقبلونَ التهديد والوعيد بنفس مؤمنة وروح قوية .. عندما قال لهم فرعون ( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) .
ماذا كان ردهم : ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا).
هذا هو الإيمان .. امنوا أن الله أشد عذابا فخافوه أكثر من خوفهم فرعون .. وأمنوا إن ما عند الله خير وأبقى فحرصوا عليه أشد من حرصهم على أجر فرعون .
هذا هو الإيمان المطلوب الذي ينزع عن المؤمن عباءة الكسل والتردد والتسويف والتأجيل ويجعله يشمر للتوبة النصوح والعمل الصالح .
إذا أيها الأحبة : أول مراحل حل أي مشكلة هو الاعتراف بوجود المشكلة ، هذا ما يؤكده علماء الاجتماع : وهو أمر لا شك منطقي، فمن لا يعترف بوجود المشكلة لن يحلها أبدًا. ومن هنا كان الاعتراف مقدمًا ؛ لأن المعترف يسعى للتصحيح، بينما المكابر والناكر يستمر في اقتراف الخطأ دون مبالاة . ومن هنا يتضح لنا السر في استمرار البعض لسنوات طويلة مع المعاصي والذنوب ومن هنا أيضا يتضح لنا جانب من عظمة الإسلام وتفهمه للطبع الإنساني يتضح ذلك جليا في قبول التوبة والحث عليها ، وإن تكرر الخطأ مرارا .. إن التائب من الذنب -المعترف بالخطأ والمستوفي لشروط التوبة- كمن لا ذنب له ،
فالتوبة في الحقيقة ما هي إلا محاولة للتغيير .. بل إنها التغيير في أبهى صوره وأوضحها .. والتوبة تأتي تناسبا مع قوة الإيمان قوة وضعفا وزيادة ونقضا فكلما قوي الإيمان قويت التوبة ..
إنهم فتية أمنوا بربهم .. وزنادهم هدى وربطنا على قلوبهم ..
الإيمان بالله أولا ثم الإيمان بالهدف .. فمن شروط التغيير الحقيقي أن يكون عندك إيمان بالهدف الذي تسعى إليه . الإيمان بالوضع الذي تريد الوصول إليه .
أنت تبدأ .. هذا شرط كمرحلة أولى للتغيير .. فإن علم الله فيك الصدق والجدية .. زادك هدى .. قال تعالى : (والذين اهتدوا زادهم هدى واتاهم تقواهم ) وقال تعالى:
( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) هذه مرحلة ثانية .. ثم ربط على قلبك كمرحلة ثالثة . والربط على القلب يعني الثبات والسكينة والرضى .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد للَّهِ الذي سبحت الكائنات بحمده ، وعنت الوجوه لعظمته ومجده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى أله وسلم .. أما بعد
أيها الأخوة الكرام :
بعد الاعتراف بالأخطاء وتحديدها .. ننتقل إلى المرحلة الثانية .. وهي وضع الخطط المناسبة للتغيير .. دعونا نرجع إلى قصة أصحاب الكهف ونرى ما هي خطتهم وماذا صنعوا حتى يضمنوا التغيير الفعال والثبات عليه ..
قال تعالى : وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا
إذا الخطوة التالية .. أن تعتزل وتغير كل شيء يحول دون توبتك ويحول دون ثباتك تعتزل كل شيء يثبط عزيمتك ويوهن قواك .. ومن ذلك البيئة والصحبة والمجتمع حتى طريقة التفكير .. هناك حكمة في هذا السياق تقول .. لن نستطيع أن نواجه -أو نعدل- المشاكل المزمنة -التي نعاني منها- بنفس العقليات التي أوجدت تلك المشاكل.
ولتوضيح اكثر : المشاكل أو الأخطاء أو الذنوب جاءت نتيجة عقليات معينة، وجاءت أيضًا نتيجة طريقة تفكير معينة. هذه العقليات هي التي أدت إلى هذه النتائج الفاشلة. إذا لا يمكن أن يتم التغيير باستخدام نفس العقلية أو باستخدام نفس طريقة التفكير التي أوجدت المشكلة . وإلا سنصل إلى نفس النتيجة
وقبل أن نختم هناك نقطة مهمة جدا .. لضمان البداية وضمان الاستمرار وهي طلب الهداية والتوفيق والعون من الله تعالى ..
ورد في الحديث القدسي الذي رواه أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل قال : يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، إن العبد مفتقر إلى الهداية من ربه ولهذا يدعو المسلم في كل ركعة بـ : { اهدنا الصراط المستقيم } وفي نفس الحديث بيّن الله تعالى بعد ذلك حقيقة ابن آدم المجبولة على الخطأ ، فقال : ( يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ) ، إنه توضيح للضعف البشري ، والقصور الذي يعتري الإنسان بين الحين والآخر .
يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته .. فاستهدوني اهدكم
هذا هو المفتاح .. وهذا هو السر
عندما تلح في طلب الهداية كما تلح في طلب بعض الأمور الأخرى .. عندها ثق في النتيجة .
والخلاصة أيها الأحبة :
إن التغيير الحقيقي لا تكفي فيه النية الصالحة غير المقرونة بالعمل. وإن التغيير الحقيقي لا يمكن أن يحدث إلا بعد الاعتراف بالأخطاء والخروج تمامًا من دائرة المكابرة والاسقاطات . فقط كل ما يلزم لإحداث تغيير حقيقي وتوبة صادقة هو الاستعداد وبذل الجهد والأخذ بالأسباب والإلحاح في الدعاء .
نصيحة : احذروا المثبطين وفاقدي الأمل ومدمني السلبية هناك للأسف بعض الأشخاص دائما ينظرون بمنظار أسود، إنهم لا يركزون إلا على الجانب السلبي من الأمور، وهم يفعلون ذلك بصورة مستمرة. إن أي إشارة سلبية بسيطة أو تلميحات سيئة عابرة، تصدر عن هؤلاء، من الممكن أن تقتل حماسك وإقدامك على التغيير والإصلاح .
هذا وصلوا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد امركم الله بذلك في كتابه المبين فقال: (ان الله وملائكته يصلون علي النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلي اله وصحبه وسلم وارض اللهم عن التابعين لهم بإحسان الي يوم الدين , وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا ارحم الراحمين , اللهم امنّا في اوطاننا واصلح ائمتنا وولاة امورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر دينكَ وكتابك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين. اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا سميع الدعاء . اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين. اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلك في كل مكانٍ ، اللهم أنصر جندونا المرابطين على الحدود اللهم اصلح أحوالَهم، اللهم اربط على قلوبهم واهزم عدوك وعدوَّهم. اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بيده إلى البرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد .
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . أقم الصلاة
التعليقات