• ×

06:25 صباحًا , الأحد 20 يونيو 1446

النفاق .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  1134
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 النفاق .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
أيها الناس : جاء الحديث عنهم في أكثر مِن نصف سور القرآن المدنية ؛ إذ وَرَدَ ذِكْرُهم في سبع عشرة سورة مدنيَّة مِن ثلاثين سورة، واستغْرق الحديث عنهم ما يقرب من ثلاثمائة وأربعين آية من كتاب الله العزيز، حتى قال ابن القيم - رحمه الله كاد القرآن أن يكونَ كلّهُ في شأنِهم . وما ذاك إلا لخطورتهم .. قال تعالى عنهم : هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ..
لا شك أنكم عرفتم من أقصد .. إنهم المنافقون .. إن محنة الإسلام قديما وحديثا لم تكن إلا بسببهم .. ولذا كان لا بدَّ من بَيان سِماتهم، والتعرُّف على علامتهم، حتى يحذرَ المسلمون شُرُورهم، مع أن حصر صفاتهم والإحاطة بعلاماتهم، أمرٌ يَطُول ويصعب ولكن سنتطرق إلى أشهرها و بشكل مجمل
عباد الله :
تتجلى خطورة النفاق والمنافقين في أنهم غير واضحين .. خطورتهم في التخفي والتلون والتشكل هم ينتسبون إلى الإسلام وهم في الحقيقة أعداؤُه ، يبطنون عداوته في كلِّ قالب ، يظن الجاهلُ أنهم على علْم وصلاح ، لأنهم يظهرون ما لا يبطنون .. كم من معقل للإسلام هدموه! وكم مِن حصن خربوه! وكم من علم طمسوه وكم من لواء مرفوعٍ وَضَعُوه! وكم ضربوا بمعاول الشبه والتشكيك في أُصُول ثابته ﴿ أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام : النفاقُ نوعان: نفاق اعتقادي وهو الخطير ونفاق عملي أو نفاق تقصير أو جهل .
النوعُ الأول: وهو نفاقُ الاعتقاد، وهو مُخرِجٌ من ملَّة الإسلام. وهو اعتقادُ المرء ما يُضادُّ الإسلام جُملةً وتفصيلاً، أو يُضادُّ بعض أحكام الإسلام التي يكفرُ من لم يُؤمن بها وهو يوجد في نوعين من الناس .. نوع خبيث النية والاعتقاد أصلا .. يُظهِر الإسلام ويُبطِن الكفر، قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) وهذا النوع من حسن الحظ أنه قليل جدا بيننا .. والنوع الثاني لا يقل عنه خطورة وهو منتشر بكثرة للأسف بيننا وأكثر ما يكون في السذج من المسلمين الببغاوات الذين يقلدون النوع الأول بدون علم وبدون وعي وبكل سذاجة وبلادة وسطحيه وهم يخدمون النوع الأول كثيرا بل إن النوع الأول يعتمد على سذاجتهم ..
سنذكر الآن بعض صفاتهم فمن وجدتم فيه صفة من هذه الصفات فنبهوه وارشدوه فإن رجع وتاب وإلا ففروا منه فراركم من الأسد .. ولا تجالسوه واحذروا منه أشد الحذر
أيها الأخوة الكرام : لقد تتبَّع المحقِّقون من أهل العلم الأدلةَ من القرآن والحديث، واستقرأوا النصوص التي حصرَت أقسام النفاق الاعتقادي المُخرِج من الإسلام ؛ فوجدوه يكاد يكون محصور فيما يلي :
من النفاق الاعتقادي : بُغض الرسول وكراهته - صلى الله عليه وسلم -؛ فمن أبغض النبي محمدًا - صلى الله عليه وسلم - فقد كفر ولو عمِلَ بأركان الدين .
وقد كان المُنافقون يُصلُّون ويُجاهِدون مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينفَعهم ذلك؛ لبُغضهم لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في الباطِن، قال الله تعالى: (إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ )
ومن النفاق الاعتقادي : بُغضُ وكراهةُ ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم – من أقوال وأعمال وعبادات .. قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ .. أو كره بعض ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) .
ومن النفاق الاعتقادي : التشكيك في آيات الله وتفسيرها وتأويلها بغير علم قال تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) .
ومن النفاق الاعتقادي: الفرحُ بضعف الإسلام، والسرور بتمرُّد الناس عليه، وتمنِّي الانفلات من تعاليمه ، وكراهة سنن الإسلام ومظاهر التدين . ومن ذلك محاربة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الاختلاط والتبرج والسفور .
ومن النفاق الاعتقادي : كره أو شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو بعضهم أو كره الأئمة والفقهاء .. كرها وحقدا واضحا بدون سبب وبدون علة واضحة أو لمجرد الظن أو تقليد لما يقوله الأخرون من أعداء التدين . تعرف ذلك من ألفاظهم وتبرهم وتعليقاتهم عند ذكر أحد الأعلام .... فتراهم يغمزون ويلزمون الملتزمين . ويسخرون ويستهزئون ويتهكمون بهم ، وهذا الفعل منهم أصبح علمًا عليهم وقد أشار القرآن إلى ذلك في آيات كثيرة منها قوله تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وهذا النوع من المنافقين الأكثر انتشارا وهو لا يخفى عليكم .. قال تعالى : وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ .
ما سبق كان أبرز صفات النفاق الاعتقادي وصاحب هذا النفاق إذا لم يتب ويستغفر ويرجع إلى الله فهو في الدَّرك الأسفل من النار، ، قال الله - عز وجل -: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)
فمتى وجدتم خصلة من تلك الخصال في أحد فاحذروه ولا تقيموا له وزنا ولا تجالسوه ولا تخالطوه .. قال تعالى وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً .
تأملوا وتفكروا في قوله تعالى : إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ .. وانتبهوا .. واحذروا
أيها الأخوة الكرام : بقي عندنا النوع الثاني من النفاق وهو النفاق العملي أو نفاق التقصير والجهل .. وقد خافَ من هذا النوع من النِّفاق المؤمنون، ووجِلَ منه الصالحون. قال البخاري - رحمه الله تعالى - في "صحيحه": "قال ابنُ أبي مُلَيكة: أدركتُ ثلاثين من الصحابة كلهم يخافُ النفاق على نفسه". وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لحذيفةَ - رضي الله عنه -: "أنشدُك الله! هل ذكَرَني رسولُ الله من المنافقين؟ قال: لا، ولا أُزكِّي بعدك أحدًا". وقال الحسن البصري - رحمه الله -: "لا يأمَنُ المؤمنُ النفاقَ على نفسه".
والنفاق العملي هو: أن يكون الإنسان يؤمن بالله واليوم الآخر، ويحبُّ الإسلام ويعمل بأركانه ولكن فيه خصلةٍ من خِصال النفاق . التي تتعلق بالسلوك والأعمال فهذا قد ارتكبَ معصيةً وكبيرةً ، لا يكفر بها ولا يخرج من الملة وفيما يلي أشهر خصال النفاق العملي : منها ما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومَنْ كانتْ فيه خصلةٌ منهن كانتْ فيه خصلةٌ مِنَ النفاقِ حتى يدَعَها: إذا حدَّث كذَب، وإذا وَعدَ أخْلف، وإذا اؤتمنَ خَان، وإذا خاصمَ فجَر»؛ رواه البخاري ومسلم. هذه أربعة علامات .. الكذب .. وهو أشهر صفات المنافقين ، والكذب علامة واضحة تشهد على صاحبها بالنفاق حتى ولو كان مازحاً. إن الله إذا ذكر النفاق في القرآن ذكر معه الكذب، وإذا ذكر الكذب ذكر معه النفاق، قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ وخلف الوعد .. وخيانة الأمانة .. والفجر في الخصومة .. ومعناه أن المنافق إذا خاصم طلب أكثر من حقه وإذا خاصم اتهم خصمه بما ليس فيه ومن علامات النفاق أيضا : الكسل في العبادة : قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾ ومن ذلك تأخير الصلاة عن وقتها .. ومن ذلك التأخر عن صلاة الجماعة .. ورد في صحيح مسلم: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق معلوم النفاق أو مريض ولقد كان الرجل يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف .
ومن ذلك : الرياء يقول الله عز وجل: ﴿ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ ويقول عليه الصلاة والسلام: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال الرياء
ومن العلامات أيضا : إن المنافق لا يذكر الله إلا قليلا قال تعالى : ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾
ومن العلامات أيضا : نقر الصلاة صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً
ومن العلامات أيضا : ـ كثرة الحلف :أسهل شيء على المنافق الحلف بالله صادقا أو كاذبا قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾
ومن العلامات ـ الإنفاق كرهاً وهو دليل الشح والبخل .. قال تعالى : ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم
أيها الأحبة : كانت تلك أشهر صفات المنافقين .. ينبغي علينا جميعا أن نتعهد أنفسنا ونتفقدها ونراجع حسابتنا فإن وجدنا إحدى هذه الخصال سارعنا إلى التوبة النصوح قبل أن ينطبع على قلوبنا فلا نستطيع الفكاك منها

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 06:25 صباحًا الأحد 20 يونيو 1446.