• ×

06:11 صباحًا , الأحد 20 يونيو 1446

المرض ... خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  1404
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 المرض ... خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
أيها الأخوة الكرام : موضوعنا اليوم عن نعمة المرض .. موضوع قد يبدو غريباً نوعاً ما، هل يمكن أن يكون المرض نعمة ؟
نعم أيها الأخوة الكرام ، المرض فيه من الحكم والفوائد الشيء الكثير ، وفي البداية اسأل الله لي ولكم الحياة الطيبة والعافية فإن عافية الله أوسع لنا .. ولكن إذا نزل بساحة أحدنا المرض ، ماذا ينبغي أن يفعل ؟ وكيف يحول المرض إلى نعمة وكيف نتعامل مع المرض والابتلاءات عموما ... وما هي فوائد مرض
الإنسان أيها الأحبة : ضعيف وضعيف جدا ويتضح ذلك جليا عند المرض .. وكلنا مرت علينا تلك المشاعر .. مشاعر الضعف والانكسار .. تجد الإنسان في أوج صحته وقوته وتباهيه وفي لحظة واحدة يتغير كل شيء .. في لحظة واحدة وبسبب مرض عارض يحس بضعفه وعجزه وربما تقلب على الأرض من شدة الألم وحرم النوم والراحة .. الإنسان ضعيف خلل بسيط في أجهزته يقلب حياته رأسا على عقب قال تعالى : ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾ هذا الضعف يشمل جميع النواحي ومنها جسده .. جرثومةٌ صغيرةٌ تشقيه ،تجعله طَريحَ الفراش ، رغم أنها لا تُرى بالعين ، إذا انسُدَّ مسلكٌ من مسالك الإنسان اصبحت حياته جحيماً لا يُطاق ، تخثَّر نقطة دم في دماغه ، يصيبه بجلطة قد تودي إلى شلل أو عمى أو عته .. خُلق الإنسان ضعيفا ؟ إذا انفجر شريانٌ صغير في الدماغ يصاب بسكتةٍ دماغيَّة ، إذا ارتفع ضغطه قليلاً فهو عرضة لإمراض خطيرة ، إذا ارتفعت نسبة السُكَّر أو انخفضت إذا ارتفعت بعض الحوامض قليلاً في الدم أصيب بآلامٍ لا تُحْتَمَل في مفاصله
أيها الأخوة الأكارم ؛ قد يتشمَّع الكبد ، وقد تفشل الكلى .. خلل بسيط في إفرازات الغدد يصيب الإنسان بأمراض لا حصر لها ... خلق الإنسان ضعيفا .
فالأمراض والابتلاءات أيها الأحبة سنة الله في خلقه .. لن ينجو أحدا منه أبدا . كلنا معرضون لها... قال تعالى : وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ .. ولكن الأمراض والنوازل تختلف في قوتها وحدتها .. ولذلك نحن نتشبث بالله العظيم ونتعلق برحمته ولطفه حتى يخفف عنا الأمراض والابتلاءات .
كيف يكون المرض نعمة .. وكيف يكون المرض نقمة أجارني الله وأياكم من النقم
ايها الأخوة الكرام : المرض والابتلاء حالة حتمية لكل البشر كما أشرنا .. والناس في تعاملهم مع المرض على ثلاث حالات ..
الحالة الأولى : متذمر ودائما الشكوى قليل الصبر .. هذا النوع من البشر احبط عمله وأضاع أجره ولم يستفد شيئا .. لم يشفى من المرض ولا كسب الأجر فالمصيبة على حالها لن تتغير سواء صبر الإنسان أو جزع .. فكل الذي فعله بجزعه أنه خسر الأجر فقط . قال تعالى : فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ .
الحالة الثانية : .. صابر ومحتسب كثير الذكر والدعاء والإنابة .. ولكن أثناء المرض أو البلاء فقط .. كثير الوعود بالتوبة والصلاح .. تكون علاقته مع الله أثناء المرض والبلاء في أحسن حال عدل سلوكه وضبط عاداته ورجع وأناب وعرف ربه .. ولكن للأسف أثناء الأزمة فقط .. وأول ما يرى العافية أو ينزاح همه ينسى كل دعاءه وكل وعوده وعهوده بالثبات .. فينقلب على عقبيه .. نسأل الله السلامة . قال تعالى : وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ .
أما الحالة الثالثة فهي خاصة بالأذكياء فقط .. أو بمعنى أدق هي خاصة بالأكثر إيمانا .. وهم الذين حولوا المرض إلى نعمة ونعمة كبيرة جدا ..
هم الذين قرأوا وفهموا واستوعبوا الرسالة الفعلية للمرض أيا كان هذا المرض صغيرا عارضا أو كبيرا مستعصيا فهموا واستوعبوا واستشعروا ماذا يريد الله أن يبلغهم .. ادركوا أن هناك إشارة وتلميح وإنذار يرسله الله للإنسان يذكره بضعف وعجزه وقلة حيلته .. قال تعالى : كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ .. أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ ... ولذلك حتى لا يطغى الإنسان يحتاج ما يذكره بالله وقوته وعظمته وجبروته جل وعلا وأنه لا ملجا منه إلا إليه ..
فالمرض يورث الضعف والانكسار ورقة القلب وبهذا يطهر الإنسان من أدران الأخلاق الذميمة، فالله سبحانه وتعالى يطهر النفوس بالأمراض من البطر والعجب والكبر، والخيلاء وسائر أمراض القلوب . ولولا محن الدنيا ومصائبها لأصاب العبد من قسوة القلب ما يكون سببا لهلاكه عاجلاً وآجلاً، فسبحان من يرحم ببلائه، ويبتلي بنعمائه.
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت *** ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
أيها المسلمون : من عدل الله وحكمته .. أوجد مبدأ تكافؤ الفرص .. أقصد فرص الهداية والتوبة .. فالله أعطى كلا منا نفس الفرص أو نفس الكم من الرسائل .. لإرشادنا لهدايتنا وتنبيهنا وإرجاعنا إلى الطريق المستقيم ولكن بطرق مختلفة هذه الرسائل تضمن الرجوع إلى الله لمن أنصت لها وفمهما .. فالموعظة التي نسمعها حتى ولو كانت عابرة رسالة .. والنصيحة رسالة .. ومن ذلك الأشرطة والمقاطع والخطب ومن ذلك القصص والعبر والحكم .. ومن ذلك الأحداث والمصائب التي تقع لمن حوالنا .. ومن ذلك سماع آيات القرآن والأحاديث .. كلها رسل هناك من يقف عند آية أو حديث أو قصة وربما تهزه وتغير حياته .. وأخر تمر عليه كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا .. وكذلك الأمراض والابتلاءات كلها رسل . رسل تدعو إلى التوبة وإلى الرجوع والإنابة إلى الله .. رسل تكشف ضآلة الدنيا وحقارتها مقارنة مع الأخرة .. رسل تكشف ضعف الإنسان وحاجته إلى لله
أيها الأخوة من فوائد المرض إنه يهذب النفوس ويصفي المشاعر ويجعل الإنسان يعيد ترتيب حساباته و أولوياته وعلاقته مع الله سبحانه وتعالى : قال تعالى
﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾
ومن أكبر فوائد المرض تكفير الخطايا قال صلى الله عليه وسلم ما يَزَالُ البلاء بالمؤمن والمؤْمِنة، في نَفْسِهِ وولده ومالِه، حتى يلقَى الله ومَا عَلَيه من خطيئة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه .
وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد أم العلاء، فقال: أبشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة
فهذه أكبر فوائد المرض ..

أيها الأخوة الكرام : خلق الله المرض ولكنه جل وتبارك وتعالى ما خلق داء وإلا وله دواء قال صلى الله عليه وسلم : ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء عرفه من عرفه وجهله من جهله . ولهذا فإن الإسلام يحث على طلب العلاج والدواء والأخذ والأسباب .. بل إن عدم الأخذ بالأسباب يعتبر من تعريض النفس للتهلكة الذي نهى الله عنه في كتابه قال تعالى : وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ .. فطلب العلاج والبحث عن الدواء ومراجعة المستشفيات حق مشروع .. بل إن الإسلام ندب إليه وحث عليه .. وإن من أقوى أسباب العلاج وانفعه حتى قبل التطبب والأخذ بالعلاجات المادية .. هو الدعاء والإلحاح فيه .. ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ وهنا سر من الأسرار التي تخفى على الكثير وكنز من الكنوز التي تضمن استجابة الدعاء .. الا وهو التوبة النصوح .. إن من أسباب عدم استجابة الدعاء المعاصي والذنوب صغرت أم كبرت .. فينبغي التوبة أولا .. عن أَبِي هريرة ، قَالَ : قَالَ رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر مطعمه حرام ، ومشربه حرام وغذى بالحرام يرفع يديه إلى السماء ، يا رب يا رب أنى يستجاب له .
أيضا : من الأسرار العظيمة في استجابة الدعاء بل في السلامة من الأمراض وتخفيف الابتلاء وضمان الحياة الطيبة .. كثرة الاستغفار .. فهو الترياق العجيب .. وهو السلاح الفتاك .. ما وفق أحد إلى الإكثار منه إلا عاش سعيد ومات سعيدا ونضيف إلى ذلك وصفة عظيمة جدا للشفاء من الأمراض وهي الصدقة . قال النبي صلى الله عليه وسلم كما روى البيهقي داووا مرضاكم بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وأعدوا للبلاء الدعاء .
والعلاج بالصدقة يقول ابن القيم رحمه الله إن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعا من البلاء وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم .
أيها الأحبة : ختاما أذكر مثال وهي قصة أحد الناس كخلاصة للموضوع .. هذا الشخص أصيب بمرض مزمن ولكنه ليس خطير مرض عادي من أمراض العصر المنتشرة وعلاجه متوفر ورغم ذاك يقول هذا الرجل : هذا المرض جعلني اراجع حساباتي وخاصة في علاقتي مع ربي .. احسست إنها رسالة وإن نهايتي اقتربت .. وكان لا بد من التغير .. لم أكن سيئا من قبل ولكني كنت مقصر .. تهاون في صلاة الجماعة وسهر .. وبعض العادات السلبية يقول قررت أن أتغير .. وشمرت عن ساعد الجد واستعنت بالله وتركت أولا كل عاداتي السيئة وحافظت على الصلاة جماعة في المسجد ولم اكتفي بذلك .. بل أصبحت أقوم الليل .. وأصوم الأثنين والخميس والأيام البيض واستغل كل مواسم الخير .. وبعد فترة أعانني الله على حفظ القرآن الكريم كاملا يقول : من فضل الله تغيرت حياتي كلها إلى الأفضل .. أيضا علاقتي بالناس أحسست فيه بنكهة مختلفة وكذا صلة الرحم .. حتى في الإنفاق مشاعر لم احسها من قبل وثقة كبيرة في الله تعالى أصبحت لا أخاف من شيء أبدا انعكس ذلك على حياتي سعادة واطمئنان ورحة . وهذا كله بسبب المرض ..
هذا الرجل قلب الموازين وحول المرض إلى نعمة كبيرة جدا ..
أيها الأخوة : مرض يقود إلى قيام الليل ليس نقمة .. إنه نعمة كبيرة ... مرض يقود إلى حفظ القرآن ليس نقمة .. إنه نعمة كبيرة ..
يكون المرض نقمة .. إذا لم يغير فينا شيئا .. كم مرة .. سهرنا الليل من شدة الألم ومع ذلك لم يغير فينا شيئا كم مرة ركعنا على الأرض من شدة الألم .. ومع ذلك لم يغير فينا شيئا .. كم مريض يعاني من أمراض مزمنة أو مستعصية ومع ذلك لم تغير فيه شيء .. كم مرة تعرضنا نحن أو ابنائنا لحوادث مميتة لولا لطف الله ومع ذلك لم تغير فيه شيئا ... هذا لأننا أقل فهما .. لم نستوعب الرسالة كما ينبغي .

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 06:11 صباحًا الأحد 20 يونيو 1446.