• ×

06:04 صباحًا , الأحد 20 يونيو 1446

العزيمة .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  1610
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 العزيمة .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

أيها الأخوة الكرام : الإنسان إذا عرف الحق واتبعه، فهذه حالةٌ طبيعيةٌ جداً ، أن تعرف الحق وأن تتبعه . وهناك من لم يتبع الحق لأنه ما عرفه ، وهذه حالةٌ طبيعية أيضا ، المُقدِّمات تتناسب مع النتائج ؛ والمعطيات تتناسب مع المخرجات .. عرفت الحق فاتبعته ... لم تتبع الحق لأنك لم تعرفه ، لكن الإشكال في حالةٍ ثالثة هي المُتفشيَّة والمنتشرة الآن للأسف ، وهي من يعرف الحق ويدركه تماما ثم يعجز عن إتباعه . كيف نفسِّرُ هذه الظاهرة ؟ إلامَ نعزوها ؟ وكيف نتغلب عليها ؟
إن السبب الرئيسي في ذلك .. هو الضعف والعجز .. أقصد ضعف العزيمة ونقص الإرادة .
العزيمة والإرادة .. وما أدراك ما العزيمة والإرادة .. ما تحقق إنجاز إلا بالعزيمة والإرادة .. لم تقهر الصعاب .. ولم تجتاز العقاب .. إلا بالعزيمة والإرادة .. لم تقطع المفاوز وتحقق الجوائز إلا بالعزيمة والإرادة .. كل تلكم الابداعات .. والاختراعات .. والنجاحات .. لم تتحقق إلا بالعزيمة الصادقة .. القاعدة الذهبية تقول .. تحقق لغيري .. إذا هو غير مستحيل .. إذا يمكن تحقيقه الفارق بين المستحيل و الممكن يتوقف على العزيمة والإرادة فقط ..
صاحب العزيمة إنسان إيجابي والإيجابية تكون عادة نتيجة دافع نفسي، واقتناع فكري ، مصحوب بجهد بدني ، .. صاحب العزيمة والإرادة .. لا يقنع بمجرد الأداء العادي ، بل يتجاوزه، إلى الإتقانَ والإبداع ويضيف إليه روحا وحيوية ، تجده .. لا يقف مكتوف الأيدي أمام العراقيل والحواجز يصبر ويجاهد ويجالد لا يخالط عمله جفاف أو جفاء أو تبرم أو استثقال، وهي حالة يعيشها من وقر الإيمان في قلبه، وسيطرت العزيمة على ظاهره وباطنه ، أما أولئك الذين يحلو لهم الوصف والتهويل، ويطيب لهم ندب الحظوظ والعويل ، فلا مكان لهم ولا كرامة ؛ لأنهم فقدوا معاني العزة والشهامة، فالعزة هي العمل الصادق الجاد على التغيير والانتقال من الحال السيئ أيا كان .. الانتقال من الضعف أيا كان .. سواء ضعف بدني .. ضعف مادي .. ضعف روحي .. ضعف معرفي .. الانتقال من الضعف والاستسلام إلى الاجتهاد والمثابرة ، إلى الصبر والمجاهدة بالعزيمة والإرادة .. هذه هي العزة وهذه الكرامة .. أما النقص والخضوع والخمول والاستكانة والانزواء والانسحاب .. صعب ومستحيل .. وأنا لا أقدر .. كل ذلك من شأن الضعفاء والأقزام ، ولقد فرّق القرآن الكريم بين الفريقين، وباين بوضوح بين المنهجين، قال تعالى: وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ .
كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد ) .. وكان يستعيذ صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل .
اعظم مصيبة يصاب بها الإنسان هي العجز والكسل نسأل الله السلامة ..
تعرف أنك مقصر في الصلاة ليس في الخشوع والركوع والسجود فحسب ولكن في .. ادائها في وقتها .. ثم تعجز وتكسل .. عن التغيير .. رغم أهميتها
تعلم تقصيرك في قراءة القرآن وتعلمه .. ثم تعجز وتكسل ..
تعلم تقصيرك في قيام الليل .. وصيام النهار .. ثم تعجز وتكسل ..
تعلم أهمية الصدقة والإحسان والعطاء .. تعلم عظيم أجر ذلك ثم تبخل وتتردد في الإنفاق .. ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه
تسمع وتتمنى فقط .. تسمع بمن حفظ القرآن واتقنه .. تسمع بمن له ورد يومي يختم القرآن في أسبوع وربما أقل .. تسمع بمن يقوم الليل .. تسمع وتتمنى فقط .. تسمع وترى من يصوم الأثنين والخميس والأيام البيض .. تسمع وتتمنى فقط .
تسمع بمن تاب وترك بعض العادات السلبية وأنت مقيم عليها .. تسمع وتتمنى فقط
وهل ينفع التمني ؟
إن العزيمة والإرادة والتنفيذ هو ما يشكل الفارق بين الواحد منا والأخر ...
البعض يعتقد أن طريق النجاح والفلاح معبد وأن طريق الجنة مفروش بالورود .. كلا .. ثم كلا .. ثم كلا هذا كلام غير صحيح قال تعالى :
أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ ـ
قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَفَصِيحِهِ وَجَوَامِعِهِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّمْثِيلِ الْحَسَنِ، ومعناه لا يوصل إلى الْجَنَّةَ إِلَّا بِالصبر على الْمَكَارِهِ ويَدْخُلُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَالصَّبْرُ عَلَى مَشَاقِّهَا وَكَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ وَالْحِلْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيءِ وَالصَّبْرُ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ،
أيها الأخوة الكرام : في كل ذلك تتجلى قوة العزيمة والإرادة .. بل إن الاستقامة مؤشر قطعي ملموس ومحسوس على قوة العزيمة والإرادة . وإن اتباع الهوى والشهوات مؤشر قطعي ملموس على ضعف الارادة وعلى الخنوع والاستسلام
قال تعالى : فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ .
الآية الكريمة : قسمت البشر إلى قسمين فقط لا ثالث لهما .. مستجيب ومبادر .. وآخر متبع لهواه .. فمن أيهما .. أنت ؟
قال تعالى : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى
يقول الإمام علي رضي الله عنه : إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. وقال رجل للحسن البصري رحمه : يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل؟ قال: أن تجاهد هواك وقال ابن تيميه رحمه الله : جهاد النفس والهوى أصل الجهاد ،
أيها الأحبة : البلاء كله في اتباع الهوى والشهوات . ولن يدرك أدنى درجات المجد والشرف إلا بمدافعتهما وهنا تتجلى العزيمة والإرادة .
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ العَزْمِ تَأْتِي العَزَائِمُ وتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الكِرَامِ المَكَارِمُ
ويَعْظُمُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صِغَارُهَا وَيَصغُرُ فِي عَيْنِ العَظِيمِ العَظَائِمُ

قال تعالى : وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ

أيها الناس : روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أنى فعلت كذا كان كذا.. وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل..».
أيها الأخوة الكرام : بقي أن نشير إلى نقطة غاية في الأهمية .. وهي إن قوة الإرادةِ وحدها إن لم يرافقها علمٌ ، ومعرفةٌ ، وحكمةٌ تصبح أداةً خطيرةً في يد الإنسان ، هناك من يتمتَّع بقوة إرادة كبيرة ، ولكنها بدون علم لا تغني شيئا ، فهذا الذي نَذَرَ أن يمشي في الشمس تقرُّباً إلى الله عزَّ وجل ، حينما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال : مروه فليتحوَّل لأن الله غنيٌ عن تعذيب هذا نفسه وقصة الثلاثة الذين غالوا في العبادة معروفة : قال الأول: إني أصلي الليل أبداً. وقال الثاني: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال الثالث: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً. .. عملهم هذا يدل على العزيمة والإرادة ولكن بغير علم قال صلى الله عليه وسلم أما والله، إني لأخشاكم لله واتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي، وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني .. المشقَّة في الإسلام ليست مطلوبةً لذاتها ، أحياناً ونتيجة الجهل من أجل تحَقِيّق سنةً غيرمؤكَّدةٍ تُضَيِّع فرائض لذلك لابدَّ للإرادة القَويَّة والعزيمة من العلم والحكمةٍ ، وإلا غَدَت أداةً عمياء لا تنفع ولا تُفيد . ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يسأل الله عز وجل العزيمة في الرشد .. الرشد هو معرفة الحق أيها الأحبة : في قوة الإرادة عاملين أو ركنين اساسيين لا يغني أحدهما عن الآخر : عامل إدراكي معرفي ، وعامل تنفيذي سلوكي والعلم يسبق العمل دائما ... بل إن العمل بدون علم نتائجه غير محمودة وعواقبه وخيمة .. وربما يأتي بنتائج عكسيه .
إن كنت صاحب عزيمة وإرادة فأجعلهما أولا في تعلم ما تريد أن تعمله ثم نفذ فالعلم بدون عمل أيضا لا يغني غنك شيئا بل إنه حجة على صاحبه .
أيها الأخوة الكرام : حتى ننجو ونسعد في الدارين لا بد أن نعزِّز في أنفسنا قوة الإرادة، وصِدْق العزيمة على التغيير من السيِّئ إلى الحسن، من المعصية إلى الطاعة، من الحقد والحسد والضغينة إلى الحب والوئام، من القطيعة والهجر إلى الصِّلة، من كلِّ صنوف المنكر إلى أنواع المعروف؛ كي يغيِّرَ الله علينا حياتنا إلى الأفضل ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ وقال تعالى وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً
ليست مجرد رغبة وتمنى فقط لا بد من السعي والأخذ بالأسباب . أكثرنا يفكِّر في العودة إلى الله ، يفكر في التوبة والإنابة .. يفكر في أعمال البر والخير والزيادة منها .. ولكنَّه متردِّد ، يسوف .. ويؤجل .. نقول له : ابعد هذا التردُّد عنك ، أبعد هذا التأجيل والتسويف وأقْدِمْ في إرادة وعزيمة تليق بك وأعلم أن الجميع لديه نفس الأفكار والمشاعر الطيبة التي لديك .. حتى أولئك العصاة .. حتى أولئك الجبابرة كان لديهم ضمير .. ولكنهم قتلوه بالتأجيل والتسويف .. الجميع لديهم مشاعر واماني طيبة لست وجدك في ذلك .. ولكنها لا تنفع بدون عمل .. الفرق بين الأشخاص فقط في الإقدام والعزيمة والتنفيذ .
إذَا كُنْتَ ذَا رَأْيٍ فَكُنْ ذَا عَزِيمَةٍ فَإِنَّ فَسَادَ الرَّأْي أَنْ تَتَرَدَّدَا
فقال تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 06:04 صباحًا الأحد 20 يونيو 1446.