• ×

05:46 صباحًا , الأحد 20 يونيو 1446

الجليس .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  1297
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 الجليس .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

إن ميزان الإنسان أصدقاؤه وأصحابه ، فقل لي من تصاحب أقل لك من أنت، فالناس تعرِف المرء صالحاً أو طالحاً من خلال من يصاحب ، بل إن من المؤثرات الأساسية التي تشكل وتكون شخصية الإنسان وترسم معالم الطريق له ؛ الصحبة، فإن كانت صُحبة الأخيار أفاضت الخير والبركة على الأصحاب ، وإن كانت صُحبة الأشرار تركت بصمتها وأفاضت الشر والضلال والندامة على الأصحاب قال تعالى:
وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّـٰلِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً .. يٰوَيْلَتَا لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً .. لَّقَدْ أَضَلَّنِى عَنِ ٱلذّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِى وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِلإِنْسَـٰنِ خَذُولاً .
فصحبة أهل الشر داء وصحبة أهل الخير دواء. إن الإنسان بطبعه وبحكم بشريته يتأثر بصفيه وجليسه، ويقتبس من أخلاق قرينه وخليله، ولذلك توزن الأخلاق وتُعرف الشمائل بالجلساء ، ولقد جسّد ذلك نبينا محمّد صلى الله عليه وسلم بقوله: « الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل »
صاحب العقلاء .. تُنسب إليهم وإن لم تكن منهم، ولا تصاحب الجهال فتُنسب إليهم وإن لم تكن منهم ، وكم من شخص ضل وحاد عن الطريق المستقيم بسبب قرينٍ فاسد أو صديق سوء ، وكم من شخص كان على شفا جُرفٍ هار فأنقذه الله بقرناء الخير من النار، ..
اخواني الكرام : ليس صادقا ولم يقل الحقيقة من ادَّعى قدرته على معايشة البيئة الفاسدة دون التأثر بغبارها ، لأن هذا الذي يقوله مخالف لطبيعة الإنسان .. إنها غريزة وجبلة وطبع في البشر يتأثرون حتماً بالبيئة المحيطة سلباً أو إيجاباً ، ..
لو راجع كل منا حساباته .. عن العادات التي اكتسبها وخاصة السيئة والسلبية منها من أين أتت وكيف وصلته .. لاكتشف وعرف وتأكد أنها من الجليس والصاحب .. كل العادات السيئة لا يمكن أن تكون هبطت علينا من السماء هكذا بدون سبب إنها نتيجة مقاربة ومصادقة ومجالسة أصحابها .
واحذر معاشرة الدنيئ فأنها تعدي .... كما يعدي الصحيح الاجرب
واختر قرينك واصطفيه تفاخرا …… إن القرين إلى المقارن ينسب
من طبع الإنسان الاقتباس والتلقي والتأثر شاء أم أباء .. حتى في الالفاظ .. بل حتى في طريقة النطق .. ولذلك كان العرب يرسلون أبنائهم إلى البادية لتعلم الفصاحة ..
بل التأثر والعدو تصل إلى المشاعر .. إذا بكى جليسك حزنت وأنت ربما لا تعرف السبب .. وإذا ضحك ضحكت وأنت ربما لا تعرف السبب .. وهذا دليل على عدوى المشاعر .. دليل على التأثر والتأثير الجبري .. ويقاس على ذلك بقية المشاعر سواء سلبية .. كالاكتئاب .. والقلق .. الياس .. والاحباط .. الانسحابية ..
أو الإيجابية .. كالتفأول .. والطموح .. والعزيمة .. وأهمها تقوى الله وخوفه .. فإن الجراءة على ارتكاب المعصية لا يكون إلا مع صديق السوء .
ولذلك أمر الله جل وتبارك وتعالى نبيه بصيانة سمعه وبصره ومفارقة مجالس السوء قائلاً له: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ولنتأمل عباد الله : في حال رجل عاقل كبير في السن ،كان سيداً من سادات العرب ورأسٌ في قومه ومجتمعه ،مسموع الكلمة مُطاع الرأي: إنه أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم يقع في براثن رفيق السوء .. لما حضرت أبا طالب الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال: أي عم! قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله - عز وجل فقال رفقاء السوء أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: (يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب) فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء: إنه على ملة عبد المطلب ) [أخرجه البخاري .. ذهب ضحية أصدقاء السوء .. ولذلك عندما تتوب من ذنب أو تترك عادة سيئة أول من يغضب ويتضايق صديق السوء .. لأنه لا يريدك إلا مثله بل يريدك أن تكون اسواء منه .. ولقد أخبرنا سبحانه وتعالى عن حال هؤلاء الجلساء وبراءة بعضهم من بعض في الآخرة، فقال تعالى: ﴿ الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ﴾
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (ما من شيء أدل على شيء؛ من الصاحب على الصاحب)، ومن كلام بعض أهل الحكمة في ذلك : (يظن بالمرء ما يظن بقرينه).
وقد ضرب صلى الله عليه وسلم للأمة مثل الجليس الصالح والجليس السوء بشيء محسوس وظاهر، حتى يبين للأمة خطورة ذلك
فقد أخرج الشيخان عن أبي موسىٰ الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة)) .
قال الإمام ابن حجر تعليقًا على هذا الحديث: (فيه النهي عن مجالسة من يتأذى من مجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مجالسة من ينتفع بمجالسته فيهما).
لا ينفع الجرباء قرب صحيحة منها .. ولكن الصحيحة تجرب .
لذا .. فإن من الحزم والرشاد ، ورجاحة العقل وحصافة الرأي، ألا يجالس المرء إلا من يرى في مجالسته ومؤاخاته النفع له في أمر دينه ودنياه، وإن خير الأصحاب لصاحبه، وأنفع الجلساء على جليسه من كان ذا برٍّ وتقى، ومروءة ، ومكارم أخلاق، ومحاسن آداب، وجميل عوائد، مع صفاء سريرة، ونفس أبية، وهمّة عالية، وتكتمل صفاته ويجل قدره حين يكون مع أهل العلم والأدب، والفقه والحكمة.
قال تعالى : وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا .
عباد الله : الإنسان مجبولٌ على الاقتداء بصاحبه وجليسه كما ذكرنا ... والأرواح جنودٌ مجندةٌ كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: ((الأرواح جنودٌ مجندةٌ، فما تعارف فيها ائتلف، وما تناكر منها اختلف))؛ فإن بعضها يقود إلى الخير، وبعضها يقود إلى الشرِّ.وفي أن الأرواح جنود مجندة يقول أحد العارفين .. إذا رأيت نفسك تميل إلى فلان من الناس فأعرف إنك على شاكلته .. وأن بينكم قواسم مشتركة .. فأحذر وأنتبه . وأعلم إن أول علامات التغيير والصلاح والتوبة .. التملل من مجالسة أصدقاء السوء وعدم الارتياح معهم والانقباض منهم . وإن أقل فائدة ونفع من تركهم السلامة من الذنوب والمعاصي .. وهذا بحد ذاته مكسب كبير .. وأعلم إن من أكبر دلائل التوبة الصادقة الميل إلى مجالسة الأتقياء والصالحين وحبهم فالمرء يكون يوم القيامة مع من أحب، كما قال النبي صل الله عليه وسلم وأقل نفعٍ يحصل من الجليس الصالح: انكفاف الإنسان بسببه عن السيئات والمساوئ والمعاصي؛ رعايةً للصحبة، ومنافسةً في الخير، وترفُّعاً عن الشرِّ... وهذا بحذ ذاته مكسب كبير جدا .
أيها الأخوة الكرام : إن مصاحبة الأشرار: هي السمُّ النَّاقع، والبلاء الواقع، .. تجدهم يشجعون على فعل المعاصي والمنكرات، ويرغِّبون فيها، ويفتحون لمن خالطهم وجالسهم أبواب الشرور، ويزيِّنون لجلاسهم أنواع المعاصي، ويحثُّونهم عليها ، ويوحون إليهم بأمور من الفساد، لم تخطر لهم على بال ، وإن همَّ أحدهم بتوبةٍ أو رجوع وإنابة إلى الله ، حسَّنوا له تأجيلها ، بطولَ الأمل، .. وقول أنت في خير .. وأنت أحسن من غيرك .. ولا زلت شاب .. ولا تدفن نفسك بالحياة .. وما إلى ذلك من الكلمات المثبطة التي تجعله يستمري المعاصي ويستمر عليها ..
حتى في أمور الدنيا .. تجد الفاشل يحاول أن يسحب غيره إلى الفشل بقتل الطموح والتفاؤل والأمل .. ولذا تجده يقلل من أهمية الدراسة وطلب العلم .. تجده يسخر من المجدين المجتهدين .. البعض كان شعلة من النشاط والطموح والتفوق .. حتى جلس مع فلان من الناس .. فتغير الطموح إلى خنوع والأمل إلى يأس ..
عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي
عن وَدِيعَة الأنصاري قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول وهو يعظ رجلاً: " لا تمش مع الفاجر فيعلِّمك من فجوره، ولا تطلعه على سرِّك، ولا تشاور في أمرك إلا الذين يخشون الله سبحانه وتعالى ...
ووعظ بعضهم ابنه، فقال له: "إياك وإخوان السوء؛ فإنهم يخونون مَنْ رافقهم، ويفسدون من صادقهم، وقُرْبُهم أعْدَى من الجَرَب ، ورفضهم والبعد عنهم من استكمال الدين الأدب،
وقد حذَّرنا الله من مجالسة أهل السوء، ونهانا عن الجلوس في مجالسهم التي تنتهك فيها الحرمات، فقال سبحانه: ﴿ وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾.
اللهم إنا نسألك صحبة الأتقياء ، وعيشة السعداء، والنصر على الأعداء وميتة الشهداء، ومرافقة الأنبياء، ونعوذ بك من شماتة الأعداء وعضال الداء وخيبة الرجاء

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 05:46 صباحًا الأحد 20 يونيو 1446.