التوفيق للأعمال الصالحة .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن يكره يعطيها البر والفاجر. أعطى الملك فرون وأعطى المال قارون ولكنه جل وتبارك وتعالى لا يعطي الدين إلا من يحب .. ولذلك فإن التوفيق إلى الالتزام بالدين وتعاليمه .. والتوفيق إلى إقامة سنة النبي صلى الله وسلم وهديه .. والتوفيق إلى القيام بالأعمال الصالحة .. كل ذلك من دلائل حب الله للعبد .
قال صلى الله عليه وسلم إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب.
هنا مقياس دقيق جدا لمقدار حب الله للعبد .. كل ما زاد المر في الطاعات زاد حب الله له وكل ما زاد في المعاصي زاد في البُعد عن الله ودل على هوانه عند الله . قال الحسن البصري رضي الله عنه هانوا عليه فعصوه ، ولو عزوا عليه لعصمهم ، وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد ، كما قال الله تعالى : ومن يهن الله فما له من مكرم
ومن ذلك أن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه ، وذلك علامة الهلاك ، فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله .
وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه ، فقال به هكذا فطار .
وفي الحديث القدسي التالي : صورة عظيمة لمعنى حب الله للعبد .. عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال : من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر فيه ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه .
أي توفيق أكثر من هذا لمن وفقه الله .. سمعه .. وبصره .. ويده التي يبطش بها .. بل أي قوة وأي عزة أكبر منذ ذلك
عباد الله :
قال صلى الله عليه وسلم اعملوا فكل ميسر لما خلق له، .. إذا العملية تيسير وتوفيق من الله جل وتبارك وتعالى للعبد الذي يحبه . وإننا والله لنرى العجب العجاب في ذلك نجد الشخص البسيط الذي لا يعرف إلا القيل من الآيات والأحاديث ولكنه يأخذها فيطبقها ويحافظ عليها فيحوز بذلك على الأجر العظيم والخير الكثير ونجد الآخر المتعلم الذي يحفظ عشرات الاحاديث ويعرف فضائل الأعمال ثم نجده يُحرم التنفيذ وهذا والله من قلة التوفيق والعياذ بالله ..ولذلك أمثلة كثيرة منه :
كلنا يعرف فضل صلاة الجماعة والتبكير لها وتكبيرة الاحرام ... وقليل منا يوفق إلى ذلك .. كلنا يعرف فضل قراءة القرآن .. ثم نهجره من رمضان إلى رمضان .. كلنا يعرف فضل قيام الليل وقليل منا من يوفق إلى ذلك .. كلنا يعرف فضل صيام التطوع وقليل منا من يوفق إلى ذلك .. كلنا يعرف فضل الصدقة والإنفاق .. وقليل منا من يوفق إلى ذلك .
كلنا يعرف فضل التسبيح والذكر والاستغفار وقليل منا من يكثر من ذلك .
أيها الأخوة :
قال صلى الله عليه وسلم كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا
ذلك الرجل العجوز الأمي الذي يحافظ على الصلاة في وقتها .. أو تلك المرأة الكبيرة في السن التي لا يفتر لسنها عن ذكر الله ... أفضل بكثير من ذلك الدكتور الحاصل على أعلى الشهادات أو ذلك العالم المثقف الذي يحفظ عشرات الأحاديث ولا يطبقها ..العبرة ليست بالعلم فقط العبرة بالعمل .. العلم بدون عمل لا قيمة له بل هو حجة على صاحبه .. العملية ليست تنظير .. العملية تطبيق .. ووالله إننا لمسئولون عما علمنا .
نرى التوفيق في الابتسامة والأخلاق الفاضلة والكلمة الطيبة .. نرى التوفيق في البر بالوالدين .. بعض الأبناء ليس له هم إلا رضا والديه يتلمس احتياجاتهم ورغباتهم وكل ما يرضيهم حتى قبل أن يطلبوا يلبي هذا إن كانوا على قيد الحياة وإن كانوا أمواتا بالدعاء لهم والتصدق عنهم هذا توفيق عظيما والبعض الأخر أقل توفيقا في ذلك . نجده منصرف الذهن عن هذا الفضل لا يتلمس احتياجاتهم .. أنشغل وتشاغل بأمور أخرى .. كل ميسر لما خلق له
نرى التوفيق في صلة الرحم فنجد الموفق لا يترك مناسبة إلا ويستغلها للتواصل والزيارة . والأخر المحروم تأتي الفرصة إليه فيهملها ويخسرها لأنه غير موفق . كل ميسر لما خلق له .
نرى التوفيق في الإصلاح بين الناس .. نرى التوفيق في قضاء حوائج الناس .. نرى التوفيق في استثمار الوقت الاستمثار الأمثل والانفع .
نرى التوفيق في حفظ القرآن .. نرى التوفيق في التفقه في الدين
نرى التوفيق في إنفاق في المال في وجوه البر والخير
قال تعالى :
وأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى .
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا، اللهم آتِ نفُوسنا تقواها وزكّها أنت خير مَنْ زكَّاها, أنت وليّها ومولاها، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم أصلحْ لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر .
في الحديث الذي سمعتم قول الرسول صلى الله عليه وسلم كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا
بيان حال الناس وأن كل الناس يعملون ، وأنهم يبيعون أنفسهم، فمن باعها بعمل صالح فقد أعتقها، ومن باعها بعمل سيئ فقد أوبقها. وهذا يدل على أن العتق والحرية الحقيقة هي القيام بطاعة الله عزّ وجل،
كل الناس يسعى, إلا أَنَّ سَعْيَهم مختلف، فهذا يسعى في نجاة نفسه من عذاب الله, لأنه يعلم الحكمة التي من أجلها خلقه الله. وهذا هو معنى قوله: ( مُعْتِقُها ). أي: من العذاب. والآخر يسعى في هلاك نفسه إِما في سخط الله, أو في غفلة عن طاعة الله, وهذا هو معنى قوله: ( أو مُوبِقُها ). أي: في العذاب.
عباد الله :
كما إن هناك توفيق للقيام بالأعمال الصالحة هناك خذلان والعياذ بالله يجعل الإنسان يقوم بالأعمال السيئة ( ويؤبق نفسه ) .
وهذا شيء مشاهد فمثلا : كلنا نعلم حرمة الكذب والغيبة والنميمة وقليل منا يمسك لسانه فكما ان هناك موفق يسعى للإصلاح بين الناس هناك مخذول يسعى للفتنة بين الناس بالغيبة والنميمة والكذب .... كل ميسر لما خلق له .
كلنا نعلم أضرار بعض العادات السيئة وحرمتها ... وقليل منا من يتركها
لا لشيء إلا لأنه .. كل ميسر لما خلق له .. فبائع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فمؤبقها .
اللهم وفقنا لعمل الطاعات وترك المنكرات .. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتبعاه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه .
عباد الله :
اتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعلموا أن طاعته أقوم وأقوى، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واحذروا أسباب سخط الجبار فإن أجسامكم على النار لا تقوى، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .. ثم اعلموا أنكم غدا بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيون، وعن أفعالكم محاسبون، وعلى تفريطكم وإهمالكم نادمون، - ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)-
التعليقات