حسن الخلق .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
لله عطايا وهبات يختص بها من يشاء من عباده دون غيرهم ومن أعظم وأجل تلك الهبات حسن الخلق .. جاء الصحابة إلى رسول صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما خير ما أعطي الإنسان يا رسول الله؟! قال صلى الله عليه وسلم : (( خلق حسن)) .. يقول أسامة بن شريك ـ رضي الله عنه ـ كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ، ما يتكلم منا متكلم ، إذا جاءه ناس فقالوا : من أحب عباد الله إلى الله تعالى ؟ قال صلى الله عليه وسلم: أحسنهم خلق.
حسن الخلق صفة من صفات المؤمنين ، يتحلى بها الأولياء الصادقون ، بعث الله نبيه ليتممها قال عليه الصَّلاة والسَّلام: (انَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مكارم الْأَخْلَاقِ ) وقال تعالى في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) قالت عائشة رضي الله عنها في وصفه صلوات ربي وسلامه عليه : لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الاسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح .
عباد الله :
حسن الخلق يعني : طيب الكلمة ، ولين الجانب ، وطلاقة الوجه، وسلامة القلب وهو كف الأذى ، وبذل المعروف (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)
قال ابن القيم رحمه الله : " حُسْنُ الْخُلُقِ يَقُومُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ:
الصَّبْرُ ، وَالْعِفَّةُ ، وَالشَّجَاعَةُ ، وَالْعَدْلُ .
حسن الخلق صفة من الصفات العظيمة ، هو من محاسن الأعمال ، من اتصف بها كمل إيمانه ، وعظم في الدارين قدره وعلا شأنه ،
حسن الخلق : هو بسط الوجه وبذل المعروف وكفّ الأذى . قال عليه الصلاة والسلام : إنَّ الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف .
أيها المسلمون :
من أبرز صفات صاحب الخلق الحسن : الحلم والصبر على الأذى : يقول أنس ـ رضي الله عنه ـ : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية ، فأدركه أعرابي ، فجذبه جذبة شديدة ، فنظرت إلى صفحة عنقه صلى الله عليه وسلم وقد أثرت فيها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم وضحك وأمر له بعطاء .
ومن حسن الخلق احتمال زلات الناس والتسامح والتغاضي عن أخطائهم .
قال تعالى : وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )
وقال صلى الله عليه وسلم (( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق ))
أيها الأخوة :.
حسن الخلق يعني التواضع والتنازل ونبذ الكبر قال تعالى : وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
وقال صلى الله عليه وسلم : مَن كان في قلبه مِثقالُ حَبَّة من خَرْدَل مِن كِبْرٍ، كبَّه الله لوجْهه في النار .
فمن اتصف بحسن الخلق عظمت محبته وقرب مجلسه عند النبي صلى الله عليه وسلم .. يقول صلى الله عليه وسلم (( إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة . محاسنكم أخلاقا وان أبعضكم إلى وأبعدكم مني في الآخرة الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون ؟! قال : المتكبرون
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن أحبكم الي ، أحاسنكم أخلاقا ،
فالمؤمن سهل لين يألف الناس ويخالطهم ، ويألفه الناس ويحبونه قال صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار : على كل قريب هين سهل .
عباد الله : قال صلى الله عليه وسلم ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق ويقول : أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسّن خلقه
وقال : إن المسام ليدرك درجة الصوام القوام بحسن خلقه وكرم ضريبته اي ان المسلم ليدرك درجة الصائم الذي لايفطر والقائم الذي لايفتر بحسن خلقه وكرم طبيعته ومعاملته
ومن أبرز صفات صاحب الخلق الحسن أيضا الصدق .... الصدق في القول والعمل فالصدق رأس الفضائل، وأجمل الصفات الحميدة التي يتحلى بها الإنسان تزيده هيبة ووقارا فالصدق سبب في تثبيت الحقوق وإقامة العدل من كملت أخلاقه تجده صادقا لا يمكن أن يكذب بحال من الأحوال
قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا ..
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين .
قال ابن القيم رحمه الله : " الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ . فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ : زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ" وقال ابن رجَب رحمه الله: "لا تتمّ التقوَى إلاَّ بحُسن الخلُق".
أيها الناس :
من حسن الخلق قضا حوائج الناس ومساعدهم والتلطف معهم وخاصة أهل بيت الإنسان . لما سئلتُ السيدة عائشة رضي الله عنها ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنعُ في بيتِه ؟ قالت: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ أخرجه البخاري
وفي صحيح الجامع قالت : كان يخيطُ ثوبَه, ويخصفُ نعلَه
وقال صلى الله عليه وسلم خياركم خياركم لأهله.
بل أن قضاء حوائج الناس من أحب الأعمال وأعلاها وأزكاها عند الله تعالى , فعن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعُهم للناس وأحبُّ الأعمالِ إلى الله سُرُورٌ تُدْخِلُه على مسلم أو تَكْشِفُ عنه كُرْبَةً أو تَقْضِى عنه دَيْناً أو تَطْرُدُ عنه جُوعاً ولأَنْ أمشىَ مع أخي المسلمِ في حاجةٍ أحبُّ إِلَىَّ من أن أعتكفَ في هذا المسجدِ شهرًا ومن كفَّ غضبَه سترَ اللهُ عورتَه ومن كَظَمَ غَيْظَه ولو شاء أن يُمْضِيَه أَمْضاه ملأ اللهُ قلبَه رِضًا يومَ القيامةِ ومن مشى مع أخيه المسلمِ في حاجةٍ حتى تتهيأَ له أثبتَ اللهُ قدمَه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ وإنَّ سُوءَ الخُلُق لَيُفْسِد العملَ كما يُفْسِدُ الخلُّ العسلَ
عباد الله :
لقد تَكَفَّلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِبَيتٍ في أَعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ، وَبَيَّنَ أَنَّ أَكمَلَ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا، وَأَنَّ حُسنَ الخُلُقِ هُوَ أَثقَلُ مَا يُوضَعُ في المِيزَانِ، وَقَرَّرَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - أَنَّ المُؤمِنَ يَبلُغُ بِحُسنِ الخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ، وَأَنَّ حُسنَ الخُلُقِ أَكثَرُ مَا يُدخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، وَأَنَّ حُسنَ الخُلُقِ هُوَ البِرُّ... بِكُلِّ هَذَا صَحَّتِ الأَحَادِيثُ عَنهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَاعلَمُوا أَنَّ حُسنَ الخُلُقِ وَإِن كَانَ يَسِيرًا عَلَى مَن يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيهِ ، إِلاَّ أَنَّهُ يَحتَاجُ مِنَ المَرءِ إِلى أَن يجاهد نَفسَهُ ويدربها ويمرنها عليه وَيَحمِلَهَا عَلَيهِ حَملاً، وَيَأخُذَهَا بِالجِدِّ عَلَى قَبُولِ الحَقِّ وَلَو عَلَى نَفسِهِ، َقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَن يَتَحَرَّ الخَيرَ يُعطَهُ، وَمَن يَتَّقِّ الشَّرَّ يُوقَهُ صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.
أيها المسلمون : ما أحوجنا نحن المسلمون إلى الاتصاف بالأخلاق الحميدة ، والخلال الجليلة ، ما أحوجنا إلى طهر الألسنة ، ما أحوجنا الى طهارة القلوب ، ما أحوجنا إلى البعد عن الغش والبذاءة ، وإزالة الحقد والبغضاء، فان المسلمين متى تألفت قلوبهم ، وحسنت معاملتهم ، كانوا كالبنيان يشد بعضه بعضا (( لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره ، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ، كل مسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه .
التعليقات