• ×

09:35 مساءً , الثلاثاء 1 يونيو 1446

القرآن .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  1034
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 القرآن .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
اعلموا عباد الله أن الله تعالى قد أكرمكم بإنزال القرآن على نبيكم، وخصكم بأشرف وأعظم كتبه .. قال تعالى : قَدْ جَاءكُمْ مّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَـٰبٌ مُّبِينٌ O يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ .
إخواني الكرام : لن نتحدث اليوم عن القرآن وأنه العصمة الواقية، والنعمة الباقية، والحجة البالغة، والدلالة الدامغة، وهو شفاء لما في الصدور، والحكم العدل ، وهو الكلام الجزْل، ، سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه، وبحر لا يُدرك غورُه، بهرت بلاغتُه العقولَ وانارت حكمته القلوب .
ولن نتكلم أيضا عن منهج القرآن الكريم وأنه منهج حياة ، ودستور محكم ونظام متكامل وقانون لا يضاهيه قانون على وجه الأرض .. ينفع لكل زمان ولكل مكان
ولن نؤكد ما هو مؤكد بأن ما تحدث المتحدثون ولا درس الدارسون كتابًا أفضل من كتاب الله، فيه نبأ من قبلنا وخبر ما بعدنا وحكم ما بيننا، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبَّار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، هو حبل الله المتين ونوره المبين والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، لا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا تنقضي عجائبه، من علم علومه سبق، ومن قال به صدق، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم ..
كل ذلك وأكثر حقائق مسلمة لا غبار عليها ولا شك فيها قال الله فيه: ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين وقال تعالى : وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
سوف يكون تركيزنا على قضيتين أهم وأخطر فيما يتعلق بالقرآن ..
أولها : قراءة القرآن .. وهل يمكن أن نأثم عند قراءته بدلا من الأجر . سؤال غريب والأغرب الإجابة .. نعم يمكن أن نأثم بدلا من الأجر عند قراءاته . ذلك لمن عرف الخطأ وعرف حكمه واستمر عليه ولم يتعلم ..
يقول أهل العلم : الناس في قراءتهم للقران على ثلاث حالات .. إما محسن مأجور، وإما مسيء مأجور، أو مسيء أثم ، أما المحسن المأجور، فهو الذي درس التجويد وأتقنه، وقرأ القرآن من غير لحن مطلقًا، فهذا الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله: ((الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السَّفَرة الكرام البَرَرة )).
وأما المسيء المأجور، فهو الذي في لسانه عوج لا يتمكن من نطق الحروف، إما خلقة وإما لأنه أعجمي ، وإما لأنه أميّ لا يحسن القراءة ويسعى باذلاً جهده للتعلم وإزالة ذلك من لسانه ، ولكنه لم يستطع ، فهذا الذي ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ((والذي يقرأ القرآن وهو يَتَتعتع فيه وهو عليه شاقٌّ له أجران )).
وأما المسيء الآثم – فهو الذي يقدر على تصحيح قراءته ويقدر على التعلم ومع ذلك لم يفعل ، مستغنيًا بنفسه، أو مستبدًّا برأيه، إما تهاونا وكسلا متكلاً على ما ألِف من حفظه، أو متعاليا مستكبرًا عن الرجوعِ إلى أهل القرآن ليتعلم ، فإن مثل هذا تكون قراءته عليه وليست له، ويكون عليه أثم .. لأنه عرف الحكم ولم يتعلم .
لا نقصد هنا اللحن الخفي البسيط ولا نقصد التجويد المتقن من مدود وغنن إلى غير ذلك ..ذلك جيد ولكنه صعبا على الكثير .. المقصود هنا أقل من ذلك بكثير المقصود هو اللحن الجلي الذي أجمع العلماء على تحريمه .. وهو ما يغير المعنى تماما ..ليس بالضرورة أن يكون بتغيير الكلمات أو الاحرف بل حركة الأحرف من رفع ونصب وجر وتسكين ( طريقة النطق ) مما يؤدي إلى تغيير المعنى .. وهذا للأسف يقع فيه الكثير جدا منا وهم لا يشعرون ومثال ذلك ..
ضم التاء في سورة الفاتحة في كلمت انعمت فيقال انعمت بدلا من انعمت .. هنا الكارثة التي غيرت المعنى تماما .. فيصبح الحال كأن القاري المتكلم هو الذي انعم وليس الله جل جلاله ...
وكقوله تعالى : وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ .... فحركه إبرهيمَ الفتحة ( مفعول به ) وهو الوجه الصحيح أما الوجه الغير صحيح والذي يخل بالمعنى هو تحريك إبرهيم بالضم فيقال إبراهيم فيصبح كأنه فاعل وكقوله تعالى ... أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ .. فحركه ورسولهُ الضم وهو الوجه الصحيح أما الوجه غير الصحيح والذي يخل بالمعنى هو تحريك ورسوله بالفتح فتصبح كأن الله بريء من رسوله مع المشركين . وكقول تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء .. فحركة لفظ الله جل جلاله الفتح الله وهذا هو الوجه الصحيح أما الوجه الغير الصحيح قولنا الله بالضم فتصبح كأن الله سبحانه وتعالى يخشى العلماء تعالى الله عن ذلك علوا كبير .. هذه مجرد أمثلة فقط ... وهناك الكثير جدا جدا من الأمثلة التي تخفى على الكثير للأسف .. اخبرني أحد الأخوة الأفاضل وهو معلم متقاعد يقول تفجأت بل صُدمت من كثرة الأخطاء التي عندي عندما سمع قراءتي أحد الشيوخ عرضا .. ليست الأخطاء في التجويد وليست في مخارج الحروف بل في نطق الكلمات .. واكتشفت أنني لسنوات كنت أقرأ بطريقة خاطئة مخجلة لا ينطق بها حتى الأعاجم وهذا حال أغلبنا للأسف ..
أخواني الكرام / كل المطلوب الحد الأدنى من التعلم الذي نسلم معه الآثم ونكسب الأجر ينبغي لنا ان لا نكابر ولا نتعالى على كلام الله ولنعلم أننا آثمون بترك التعلم ولا نعذر أبدا بجهلنا ولا سيما والوسائل المعينة على ذاك سهلة جدا ومتاحة ..
ولنتذكر جميعا القاعدة الفقهية التي تقول :
لا يعذر الإنسان بالجهل ولا يسقط عنه الحكم إذا كان يستطيع أن يتعلم
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا. اللهم ذكرنا منه ما نَسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، ووفقنا لتلاوته والعمل به آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا. اللهم اجعلنا ممن يحل حلاله، ويحرم حرامه. اللهم اجعلنا ممن يرتل حروفه ويقيم حدوده ، اللهم اجعله شاهدا لنا لا علينا .
غير ما ذكرنا من أهمية تعلم النطق الصحيح لكلمات القرآن هناك قضية أخرى لا تقل أهمية .. وهي هجر القرآن بالكلية وترك قراءته وعدم تدبره ونسيانه .. البعض منا للأسف لا يعرف القرآن إلا يوم الجمعة أو في رمضان .. وقراءة سريعة سطحية بدون اتقان ولا تدبر .
قال تعالى : وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا .
قال ابن رجب رحمه الله : ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى من النوافل : كثرة تلاوة القرآن وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم . وقال خباب رضي الله عنه : تقرب إلى الله ما استطعت ، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه
وقال ابن مسعود : من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله . وكان السلف الصالح رضي الله عنهم : يكرهون أن يؤخر أحدهم ختم القرآن كاملا أكثر من أربعين يوما. لأن تأخيره أكثر من ذلك يفضي إلى النسيان ويدل على التهاون به .
عباد الله : من أراد الغنى فبالقرآن قال صلى الله عليه وسلم أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع .
ومن أراد مضاعفة الأجور فبالقرآن قال صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله كان له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف
ومن أراد الشفاعة فبالقرآن قال صلى الله علسه وسلم يأتي القرآن شفيعا لأصحابه،
ومن أراد الشفاء من الأمراض ففي القرآن قال سبحانه : وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا . وقال تعالى : قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى
فيا من تشتكون من عدم الاستقرار عليكم بالقرآن، ويا من تشتكون من القلق والتوتر عليكم بالقرآن، ويا من تشتكون من ضيق العيش وقلة البركة عليكم بالقرآن ويا من تشتكون من الأمراض المستعصية عليكم بالقرآن ويا من تشتكون من قسوة القلوب عليكم بالقرآن ويا من تشتكون من النسيان عليكم بالقرآن
وبالجملة من أراد الخير كله ففي التمسك والعمل بالقرآن، ومن أراد الشر كله فبالإعراض عنه، قال تعالى : فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ .. وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ أَعْمَىٰ .. قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ ايَـٰتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ
يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديثِ الصحيح الذي رواه البخاري: ((خيرُكم مَن تعلَّم القُرآن وعلَّمه : وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله يرفَع بهذا الكتابِ أقوامًا ويضَع به آخرين. وقال صلى الله عليه وسلم : "إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ:"هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ"
عباد الله : اعرفوا قدرَ كتاب الله، وعُودوا إليه وتعلَّموه وعلِّموه أولادَكم، فإنَّ سَعادتكم وسَعادتهم في تعلُّمه فهو من علامات الصلاح والتوفيق ودليل الفلاح والتقوى .واعلموا أن الفرصة لا زالت سانحة لم يفت شيء .. أخي الكريم ربما كنت معذورا قبل أن تعرف حكم من يقرأ القرآن خطأ وإن ذلك حرام بإجماع أهل العلم وربما كنت معذور قبل تعرف حكم من هجر القرآن وأنه يحشر أعمى أما بعد أن عرفت فلا عذر لك .. لا تقل فاتت علي ولا تقل سني لم يعد يسمح لي بالجلوس في حلقات القرآن .. فإنه لا كبير على القرآن ولن تعدم الوسيلة إن اردت ...
إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا .

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:35 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.