الشكر .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
الحمدُ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونستهدِيهِ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فهوَ المهتَدِ، ومنْ يُضْلِلْ فلَنْ تجدَ لهُ وليًا مُرشِدًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى أله وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
أيها الأخوة الكرام :
قال تعالى على لسان داوود : قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
وقال تعالى : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ وقال تعالى : يأيها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
الشكر منزلة عظيمة في الإسلام ؛ بل إن الإيمان لا يكتمل إلا به وقد أمر الله به . ونهى عن ضده ، فالإنسان لا يخلوا من إحدى حالتين إما شاكرا وإما كفروا .. فالله أثنى على أهله . ووصف به خواص خلقه . ووعد الشاكرين بجزيل العطاء . وجعله سببا للمزيد من فضله . وحارسا وحافظا لنعمته . واشتق لهم اسما من أسمائه . فإنه سبحانه وتعالى هو الشكور وهو من يعيد الشاكر مشكورا . قال تعالى : إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا وهو غاية ما يرديه الرب من عباده . قال الله تعالى : واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون وقال واشكروا لي ولا تكفرون وقال عن خليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه وقال عن نوح عليه السلام إنه كان عبدا شكورا وقال تعالى: إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور وسمى نفسه شاكرا وشكورا وسمى الشاكرين بهذين الاسمين . فأعطاهم من وصفه وسماهم باسمه . وحسبك بهذا محبة للشاكرين وفضلا
أيها الأحبة :
كثير من الناس يظن أن الشكر كلمة تقال فقط ؛ ولكن حقيقة الشكر كما قال ابن القيّم رحمه الله الشّكر ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا، وعلى قلبه شهودا ومحبّة، وعلى جوارحه انقيادا وطاعة .
وكما قال ابن قدامة- رحمه الله -: « الشّكر يكون بالقلب واللّسان والجوارح. أمّا بالقلب فهو أن يقصد الخير ويضمره للخلق كافة. وأمّا باللّسان: فهو إظهار الشّكر لله بالتّحميد والذكر والتسبيح ، وأمّا الجوارح: فهو استعمال نعم الله في طاعته، والحذر من الاستعانة بها على معصيته .
وليعلم أن أركان الشكر ثلاثة وهي : الاعتراف بالنعمة أولا؛ ثم الثناء على المنعم ثانيا؛ ثم العمل بالجوارح في طاعة الله ثالثا
والاعتراف بالنعمة : يعني أن تقر وتعترف وتوقن وتجزم أن الذي أسداك تلك النعمة هو الله وحده لا شريك له ؛ وما العباد إلا وسيلة فقط للحصول عليها؛ فلا تنسب النعمة إلى أحد أبدا أو إلى جهد أو قوة شخصية ؛ هذا الاعتراف يكون إيمانا ويقينا في القلب واعترافا باللسان ومن الأثار التي وردت في الاعتراف بالنعمة قول نبينا صلى الله عليه وسلم في كل صباح:” اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ.”
أما الثناء على المنعم : وهو الله عز وجل – فيكون بذكره عموما وحمده وتسبيحه وتوحيده سبحانه وتعالى لما أولانا من نعم وأسدا إلينا من معروف؛ ولهذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحي ليله كله في الثناء على الله عز وجل؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ” فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَمَسْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ وَقَدَمَاهُ مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ: أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ؛ وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ؛ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.”
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام حتى تفطرت رجلاه .. قالت عائشة : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا ..
أما العمل بالجوارح : فهنا المحك وهنا الاختبار الحقيقي إذا لا ينفع القول بدون عمل
فالشكر لا يكون باللسان فقط وإنما بالعمل ؛ والشكر بالقول فقط دون العمل مجرد ادعاء باطل يقول الإمام أبو حامد الغزالي: “..إن الناس يظنون أن الشكر أن يقول بلسانه: الحمد لله، الشكر لله، ولم يعرفوا أن معنى الشكر أن يستعمل النعمة في إتمام الحكمة التي أريدت بها وهي طاعة الله عزَّ وجلَّ”؛ ولهذا قال الله لآل داود { اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }.
فالله أمر آل داوود بالعمل شكراً، لأن هناك فرقاً بين شكر القول وشكر العمل، لذلك قال: اعملوا ، ولم يقل: قولوا شكراً، لأن الشاكرين بالعمل قلة قال تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ .
فشكر النعمة استخدامها فيما خلقت له؛ فإذا أكرمك الله بمالٍ فلا تنفقه في حرام ، وإذا أنعم الله عليك بجهاز فلا تستعمله في حرام، .. لأن شكر هذه النعم استخدامها في طاعة الله، وكفرها استخدامها في الفساد والإفساد .
فمثلا : مَن رزقه الله علمًا فشكره أن لا يكتمه ويعلمه غيره ، ومَن رزقه الله جاهًا، فشكره بأن يستعمله في تيسير الحاجات للآخرين ، وقضاء مصالحهم التي لا تتعارض مع مصالح الأخرين ومن رزقه الله الـذرية فإن شكرها يكون بأن يربيهم تربية صالحة وأن يكون قدوة صالحة لهم ويغرس في قـلوبهم عقيدة التوحيد من الصغر، وأن ينشئهم على طاعة الله عزَّ وجلَّ وحبه .. وأن يعلمهم مكارم الأخلاق .
وكذلك شكر الله- عزَّ وجلَّ – على ما أنعم به علينا من جوارح، كاليدين والرجلين والعينين والأذنين وغيرها؛ أن نستخدمها في طاعة الله عز .
أيها الأحبة :
الشكر سببٌ لرضى الله عن عبده: قال تعالى: { وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ }
الشكر أمان من العذاب: قال تعالى: { مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ }
الشكر سببٌ للزيادة: قال تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }
الأجر الجزيل للشاكرين في الآخرة: قال تعالى: { وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد للَّهِ الذي سبحت الكائنات بحمده ، وعنت الوجوه لعظمته ومجده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى أله وسلم .. أما بعد
أيها الأخوة الكرام :
لقد أنعم الله علينا بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصى، قال تعالى في سورة إبراهيم : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ وقال سبحانه وتعالى في سورة النحل : { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }
وهنا وقفة تأمل : - أية ختمها الله بقولة إن الإنسان لظلوم كفار وأية ختمها بقوله إن الله لغفور رحيم .. ذكر الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير قال: وقد خولف بين ختام هذه الآية (آية النحل)، وختام آية سورة إبراهيم؛ لأن قوله تعالى إن الإنسان لظلوم كفار جاءت في سياق وعيد وتهديد بعد قوله تعالى: { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرًا} فكان المناسب لها تسجيل ظلمهم وكفرهم بنعمة الله. وأما هذه الآية فقد جاءت خطابًا للفريقين، إشارة إلى أن تلك النعم كانت هي أيضا سبب لغفران الله ورحمته. والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان .
ولعل من المفيد أن نعيد ونكرر قول : والأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان بمعنى أكثر كل النعم بإمكاننا أن نستخدمها في طاعة الله ورضاه فتكون نعمة حقيقية نظمن بقاءها ونصل بها إلى رضى الله ومن ناحية أخرى نفس النعمة بإمكاننا أن نستغلها في معصية الله وبهذا نكفر بها وبالتالي نخسرها ونصل إلى عقاب الله وغضبه والعياذ بالله .. فالأمر في ذلك منوط بعمل الإنسان !!
أيها الأخوة الكرام : اعلموا أن شكر الله على نعمه كما ذكرنا يحقق المزيد منها ويضمن بقاءها ونماءها ؛ وجحد النعمة يستوجب زوالها وذهابها فضلا عن العذاب الشديد الذي أعده الله لصاحبها. وهذا هو العهد والميثاق الذي أخذه الله على نفسه في قوله تعالى : وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
قال بعض أهل العلم: « من أعطي أربعا لم يمنع أربعا: من أعطي الشّكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التّوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصّواب .
والخلاصة أيها الأحبة :
الشكر باللسان فقط .. لا يكفي ولا يغني .. ولا ينفع ولا يفيد .. ومن لم يعمل فهو مدعي غير صادق والأمثلة كثيرة جدا منها :
من لم يحافظ على الصلاة في وقتها وفي المسجد ... لم يشكر الله حق شكره
ومن أطلق العنان لبصره ينظر في الحرام كيفما يشاء ... لم يشكر الله حق شكره
ومن بخل بماله ولم يتصدق على الفقراء والمحتاجين .. لم يشكر الله حق شكره
ومن صرف ماله في الحرام .. فقد كفر بالنعمة ولم يشكر الله حق شكره
ومن أهمل أولاده ولم يربهم ولم يتابعهم ولم يتفقدهم .. فقد كفر بالنعمة ولم يشكر الله حق شكره ... هذه نماذج لكفران النعمة .. وقيس عليها
هذا وصلوا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد امركم الله بذلك في كتابه المبين فقال: (ان الله وملائكته يصلون علي النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلي اله وصحبه وسلم وارض اللهم عن التابعين لهم بإحسان الي يوم الدين , وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا ارحم الراحمين , اللهم امنّا في اوطاننا واصلح ائمتنا وولاة امورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر دينكَ وكتابك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين. اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا سميع الدعاء . اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين. اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلك في كل مكانٍ ، اللهم أنصر جندونا المرابطين على الحدود اللهم اصلح أحوالَهم، اللهم اربط على قلوبهم واهزم عدوك وعدوَّهم. اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بيده إلى البرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد .
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . أقم الصلاة
التعليقات