التناقضات ... خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
الحمدُ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونستهدِيهِ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فهوَ المهتَدِ، ومنْ يُضْلِلْ فلَنْ تجدَ لهُ وليًا مُرشِدًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، صلّى اللهُ عليهِ وسلم .
أما بعد:-
فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فهي العُدَّةُ في الشدائد، والعونُ في المُلِمَّات، وبها صلاح الأفراد والجماعات ، وبها تكثر الخيرات وتستجلب البركات، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ** يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾.
أيها المسلمون :
حديثنا اليوم سيكون عن التناقض الذي يعيشه البعض ... عن المغالطات والمفاهيم الخاطئة .. سنتحدث عن صور لبعض المفارقات العجيبة التي يقع فيها البعض بعلم وبدون علم .
عباد الله : الدين لا يتجزأ .. ولا يتقسم .. إذا لم تأخذه كله فستخسره كله .. من أراد أن يختار من أمور الحلال والحرام ما يوافق هواه فقط .. فقد اتعب نفسه .. وأضاع جهده .. وخسر عمره .
قال تعالى : أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ .
الله غفور رحيم .. ما في ذلك شك ولكنه شديد العقاب .. الله غفور. رحيم . حليم . عفو. كريم . ولكن لمن .. للذين يعملون السوء بجهالة .. ثم يتوبون من قريب
قال تعالى : إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
الله غفور رحيم لأولئك الذين لا يصرون على الذنوب .. الله غفور رحيم لأولئك الذين يرتكبون الذنوب عرضا .. دون سابق إرصاد وترصد .. ثم يتوبون ..
وبمعنى أكثر وضوحا .. تنام عن الصلاة نادرا نتيجة تعب او جهد أو ارهاق فالله عندها غفور رحيم .. ولكن تنام عن الصلاة غالبا أو دائما .. لم تأخذ بالأسباب التي تضمن قيامك للصلاة في وقتها .. وربما تنام وأنت لا تنوي القيام أصلا .. عندها لا شك أن .. الله شديد العقاب .. وهو سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل .
تنظر للحرام في لحظة ضعف .. وعرضا .. دون تخطيط أو ترتيب أو إصرار ثم تتوب عندها فالله غفور رحيم .. يحب التوابين الأوبين .. ولكن تخطط لمتابعة الأفلام والمقاطع ومشاهدة الأغاني والتعري والرقص وتنوي تكرار ذلك مرارا وتكرارا عندها لا شك أن الله شديد العقاب .. يمهل ولا يهمل سبحانه وتعالى
عندما ترتكب الآثم وأنت لا تعرف حكمه أو عندما ترتكبه نتيجة ضعف لحظي وقتي عرضي لم تخطط له ولم ترتب له .. ثم تتوب عندها الله غفور رحيم ..
ولكن عندما ترتكب الآثم وأنت تعرف حكمه وتعرف حرمته وفي قرارة نفسك النية على تكرار ذلك مرارا وتكرارا .. عندها احذر فالله شديد العقاب
عند العلماء وبالإجماع : الاصرار على الصغيرة يحولها إلى كبيرة ..
جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف .
البعض استغل هذا الحديث وفهمه فهما سطحيا وفسره على هواه ..
هناك شرط في الحديث يغفل عنه الكثير ولا ينتبهون إليه.. الحديث اشترط التوبة حتى تتحقق المغفرة .. جاء في الحديث وأتوب إليه .. ومن شروط التوبة الصادقة الإقلاع الفوري والعزم على عدم التكرار .. فمن أخذ بهذا الحديث العظيم وأراد المغفرة حقا فعليه أن يأخذ به كاملا ..
من قال استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم .. وهو عازم على التوبة النصوح الصادقة غفر الله له وإن كان فر من الزحف .. فالله غفور رحيم لطيف بعباده .
وأما من قالها بلسانه فقط .. قالها وهو يقترف الذنوب ويمارسها حتى ولو كانت صغائر .. من قالها وهو مصر عليها ولا ينوي التوبة منها بل نجده ينوي تكرار ذلك ويخطط له في اليوم التالي أو الليلة التالية . فالله عندها شديد العقاب .
لا شك في أن النفس البشرية مركب نقص .. تقوى .. و تضعف .. وتقبل .. وتدبر ويعتريها الفتور .. ولكن يبقى هناك خطوط حمراء لا ينبغي تجاوزها .
في طبع الإنسان .. الخطأ . والتقصير . والذنب .. كلنا ذلك الرجل .. إلا من عصم الله ولكن الفرق بين واحد وأخر .. الندم والتوبة والإنابة السريعة العاجلة .. حتى لو تكرر الذنب مرارا وتكرار .. فالله غفور رحيم مهما اذنبت وتبت صادقا .. ولكن تبييت النية على الاستمرار وعقد العزم على المعاودة يعني التهاون والاصرار عندها لا شك إن الله شديد العقاب .
عباد الله : وسائل الاتصال الحديثة ساعدت على زيادة الوعي بل إنها اصبحت حجة علينا .. حجة بما توصّله إلينا من معلومات وأحكام فقهية .. وهي حجة أيضا لسهولة البحث .. أي مسألة تريد أن تعرف حكمها الشرعي ما عليك سواء البحث في الانترنت وفي لحظات تعرف الحكم وعلى المذاهب الأربعة .. تعرف أيضا تفسير الآيات .. تعرف صحة الأحاديث كل ذلك في لحظات .. الجهل مع القدرة على التعلم ليس عذرا ولا يُسقط الحكم الشرعي .
أمر الله جل جلاله بهذا .. فهو فرض وأجب .. وحرم الله جل جلاله هذا .. فهو محرم ... أنتهى .. لا ينبغي أن نتردد في التنفيذ أو نتقاعس أو نكسل .. لا ينبغي أن نبحث عن الأعذار الواهية لنستمر مع الذنوب ومع الأخطاء . لا ينبغي أن نتتبع الفتاوى التي توافق هوانا فقط يقول أحد العلماء لو أخذت برخصة كل عالم لاجتمع فيك الشر كله .
أخي الكريم : لا ينبغي أن نجزيء الدين ونختار منه ما يوافق هوانا ..
الذي أمر بصلاة العشاء هو نفسه الذي أمر بصلاة الصبح أو الظهر ..
لا تتوقع أن تُقبل منك صلاة العشاء مثلا وأنت لم تصل الصبح أو لم تصل الظهر . أو لا تتوقع مثلا أن تُقبل منك صدقتك وأنت تتعمد أذية غيرك . فالآمر هنا والناهي هناك واحد .. هو الله جل جلاله .
لا تتوقع أن تكون في منئاء عن العقاب وأنت تتهاون في الحلال والحرام .. لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن أنظر إلى عظمة من عصيت .. بقدر استشعارك لعظمة الله بقدر حذرك من الوقوع في المعاصي مهما كانت صغيره .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله العزيز الوهاب ، غافر الذنب، و قابل التوب، شديد العقاب .. بفضله يفتح للتائبين الأبواب .. وبرحمته يقبل من العاصين الإياب .. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد : قال تعالى :
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ** قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
عباد الله .. لا زلنا نستعرض بعض صور التناقضات .. بعض صور تجزئة الدين وتقسيمه .. بعض صور أتؤمنون ببعض .. وتكفرون ببعض .
من صور التناقضات المخجلة : تجد البعض يقوم الليل وربما يصوم النهار .. ثم يأتي ويظلم غيره .. ثم يأتي ويضيق طريق المسلمين أو يعترض عليها أو يقطع عادة أو سبل . أو يبخل بما آتاه الله ..
من صور التناقضات المخجلة : تجد البعض يقوم الليل وربما يصوم النهار .. ثم يعق والديه .. أو ياذي جاره .. أو يقطع رحمه ..
من صور التناقضات المخجلة : تجد البعض يقوم الليل وربما يصوم النهار .. ثم تجده سليط اللسان .. عديم الاخلاق .. كثير الانفعال والغضب ..
أيها الأخوة الكرام : الدين لا يتجزأ ولا يتقسم كما ذكرنا .. إذا لم تأخذه كله فحتما ستخسره كله فالله عز وجل هو الذي أمرنا بهذا .. وهو نفسه من حرم علينا هذا .. افتومنؤن ببعض الكتاب وتكفرون ببعض .
تجد البعض يقوم الليل وربما يصوم النهار .. ثم يبحث عن الواسطة ليتجاوز غيره أو ليأخذ ما ليس له حتى في مواعيد المستشفى وعلى حساب مريض أخر .. تجد البعض يتحايل للخروج من العمل بسبب وبدون سبب .. تجد البعض يقوم الليل وربما يصوم النهار ثم تجده يتحايل على القروض الربوية يتحايل على الحصول على المال بشتى الطرق دون التأكد هل هي حلال أو حرام .
تجد البعض يقوم الليل وربما يصوم النهار .. ثم لا يتورع عن الوقوع في أعراض المسلمين .. ولا يتردد .. حتى في أكل لحوم العلماء والأئمة . شغلته الشاغلة الملتزمين وأصحاب اللحى حسب تعبيره .. يسخر منهم ويتصيد اخطائهم .. وكأنهم ملائكة .. ورب كلمة أضاعت عليه قيامه وصيامه .
تجد البعض يقوم الليل وربما يصوم النهار ثم تجده متبكر متعال .. يعامل الأخرين بفوقية .. وخاصة الناس البسطاء والعمالة فتجده يحتقرهم ولا يقيم لهم وزن .
أيها الأحبة الكرام : إذا قبل الله من العبد الأعمال الصالحة من صلاة وصيام وقيام وصدقة يسر له تهذيب نفسه وتقويم سلوكه ويسر له سبل الهداية ووفقه إلى سلوك الطريق المستقيم .. يسر له تسديد الخلل وجعله يتعهد نفسه .. ويتفقدها .. ويقّومها فيتغير حتما .. ويتوب حتما .. ويرجع حتما .. هذا إذا اراد به خيرا .. أما إذا اراد به سوء .. جعله يتعود التجاوزات ويتهاون فيها ولا يبالي بها .. قال صلى الله عليه وسلم : (( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ))
وقال _تعالى_: "وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ" .. ظاهر الإثم وباطنه... أي سرّه وعلانيته , صغيره وكبيره
اللهم إنا نسألك توبة نصوحاً خالصة لوجهك الكريم .. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ، واجعلنا من الراشدين . اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .. اللهم يا مقلوب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك . اللهم ألهمنا رشدنا .. وسدد نياتنا وأقوالنا وافعالنا واجعلها فيما يرضيك
هذا وصلوا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد امركم الله بذلك في كتابه المبين فقال: (ان الله وملائكته يصلون علي النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلي اله وصحبه وسلم وارض اللهم عن التابعين لهم بإحسان الي يوم الدين , وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا ارحم الراحمين , اللهم امنّا في اوطاننا واصلح ائمتنا وولاة امورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر دينكَ وكتابك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين. اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا سميع الدعاء . اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين. اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلك في كل مكانٍ ، اللهم اصلح أحوالَهم، واهزم عدوك وعدوَّهم.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بيده إلى البرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد .
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . أقم الصلاة
التعليقات