• ×

09:16 مساءً , الثلاثاء 1 يونيو 1446

الذكاء ... خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  1224
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 الذكاء ... خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

قال تعالى : وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ
أيها الأحبة : ماذا يمكن أن نفهم من هذه الآية .. وخاصة قوله تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء
هل العلم والذكاء له علاقة بخشية الله ؟
وهل الملتزمين الذين يخشون الله ويتقونه حق تقاته أكثر ذكاء وعلما وفطنة
حول هذا سيكون حديثنا اليوم .. عن الذكاء والأذكياء ومن هو الذكي ومن هو الأقل الذكاء .. وما هي علامات الذكاء .. وما هو المعيار في ذلك
معنى الذكاء لغة : يعود لفعل ذكا والذي يعني اشتداد الحرارة أو لهب النار ومنها ذَكَت النَّار إذا تمَّ اشتعالها، ويقصد به أيضا اشتداد الفهم وسرعة البديهة.
أما في الاصطلاح : يُعرّف الذكاء على أنه القدرة على التفكير المنطقي، والنشاط العقلي الهادف .. ويُعرّف الذكاء على أنه القدرة على التعلم وكسب معارف ومهارات جديدة تجعل المرء قادرا على التعايش مع البيئة التي يعيش فيها والتعاطي مع المواقف المختلفة وحل المشكلات التي تواجهه ... ومن أبرز علامات الذكاء تقدير العواقب واتخاذ القرارات التي تضمن السلامة والنجاة ..
ولعل من النتائج الحتمية للذكاء أو دعونا نقول من أهدافه الرئيسية .. الوصول إلى السلامة والقوة .. فمهمة الذكاء الرئيسية أن يوصّل صاحبه إلى القوة التي هي مصدر للسلامة .... ولذلك الذكاء الذي لا يوصل للسلامة ذكاء نقاص ..
بعد هذه المقدمة .. وبناء على هذه التعاريف .. نستطيع القول إن من الذكاء الحقيقي محاولة امتلاك الإنسان للقوة التي تضمن له السلامة .. كلما كنت قويا كلما كنت أكثر سلامة وأمانا .. هذا من المسلمات البديهية .. والأنسان يسعى لامتلاك القوة ليس للقوة بحد ذاتها ولكن للصول إلى الأمان .. فالأمان كما اعتبره علماء النفس من الحاجات الأساسية والضرورية للإنسان .. بل إن الإحساس بالأمن من أكثر الحاجات الإنسانية إلحاحا ..
دعونا .. نستعرض بعض أنواع القوى المعروفة ..
القوة البدنية .. قوة العلم .. قوة المال .. قوة الجاه والمنصب .. كل هذه قوى لا شك في ذلك .. ولذلك افنى الناس حياتهم في محاولة الحصول عليها ..
ولكن ماذا لو علمنا وأمنّا وسلّمنا وتأكّدنا أن هناك من يسطير على هذه القوى ويحركها وأن هذه القوى مهما بلغت ليست إلا ذرة وربما أقل في ملكوت صاحب القوة العظمى .... ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ** لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ** قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ
وقال تعالى : لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ
وقال تعالى : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
بعد ما علمنا وأمنا وسلمنا وتأكدنا من إن القوة والعظمة والعزة والجبروت لله وحده وأن قوتنا مهما بغلت لا شيء بالنسبة إلى قوته : أليس من الذكاء ومن الحكمة أن نتقرب من الله جل جلاله صاحب هذه القوة بكل الوسائل حتى نضمن رضاه ونأمن عقابه . ونسعد بهباته وعطاءته وفضله العظيم . ولا سيما وأن أبوابه مفتوحه للجميع بنفس القدر . وأليس من العقل ومن الحكمة أيضا أن نهابه ونخشاه ونتقيه ..
بدانا الحديث بالآيات التي جاء فيها قوله تعالى : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ دعونا نكمل الآيات حتى نعرف بعض صفات العلماء أو بعض صفات الأذكياء الذين يخشون الله .. قال تعالى في الآية التالية مباشرة : *** إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ
وقال الله تعالى : في آية أخرى مشيرا إلى صفات العلماء الأذكياء .
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ.
وجاء في الحديث الصحيح : إن الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت
إذا من صفات العلماء الأذكياء الذين يخشون الله : قراءة القرآن .. إقامة الصلاة .. الإنفاق في السر والعلن .. قنوت في الليل .. وبالجملة الحذر والرجاء .. والحذر والرجاء من جوامع الكلم فبها يتحقق مفهوم التقوى الشامل . الحذر من كل المعاصي مهما صغرت .. والرجاء في رحمة الله التي لن يدخل أحدا الجنة بدونها . ومن صفاتهم أيضا التخطيط والعمل لما بعد الموت هذه هي صفات الأذكياء كما جاءت في القرآن الكريم والسنة المطهرة .
أيها الكرام جاء في تفسير قوله تعالى .. إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.
قال ابن كثير : في تفسيرها أي "إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم الجليل أتم ، والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر ، وقال القرطبي : يعني بالعلماء الذين يخافون قدرته، فمن علم أنه عز وجل قدير أيقن بعاقبه لمن يعصيه فخاف ذلك واقبل على طاعته .. وقال أنس: من لم يخش الله فليس بعالم، وقال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل، وقال ابن مسعود: كفى بخشية الله تعالى علما، وبالاغترار جهلاً ......
نستنتج من هذا كله المعادلة التالية :
ذكاء يساوي علم يساوي خشية وتقوى لله يساوي عمل وتقرب إلى الله . وهذا يعني أنه كلما زاد الذكاء زادت الخشية وزاد الالتزام .
ولذلك أيها الكرام :
إذا رأيتم الذي يتجرأ على الله ويعصيه .. ويستمر في تأجيل التوبة واقتراف الذنوب والمعاصي فاعلموا أنه أقل ذكاء بل أعلموا أنه جاهل
وإذا رأيتم الملتزم الذي يخاف الله ويخشاه ويتقيه في كل صغيرة وكبيرة ويسارع إلى طاعته في كل شيء ابتداء بقلبه وانتهاء بمظهره .. فاعلموا أنه أكثر ذكاء بل اعلموا أنه عالم .
أيها الأخوة الكرام : إن من الذكاء ومن الحكمة أن نسعى لامتلاك كل القوى التي أشرنا إليها .. القوة البدنية والعلمية والمالية .. فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضيف .. بل إن الدين الإسلامي ضد الرهبنة والتطرف الإسلام ضد الكسل والدروشة والتخاذل .. الإسلام مع العلم والعمل بكل أشكاله وأنواعه شرط أن يكون لله وفي سبيل الله فالهندسة والطب وجميع العلوم التطبيقية والبحتة كلها يمكن أن تكون لله .. وكل ذلك مطلوب ومندوب إليه . وأيضا التجارة واكتساب المال بالطرق المشروعة مطلوب ومندوب إليه .... نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح .. نحن هنا نؤكد على حقيقة واحدة فقط .. إن من الذكاء أن يكون مع كل ذلك تقوى وخشية لله . بدون الخشية والخوف من الله لا يكتمل الذكاء .. وكل القوى بدون التقوى لن تنفع ولن تفيد .
يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ** إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
أيها الأحبة : يقولون : يتيقظ الإيمان وقت الشدة والحقيقة أنه .. يتيقظ الذكاء وقت الشدة .. لأن الإيمان من الذكاء بل إنه من أشد أنواع الذكاء .
الإنسان يدرك بفطرته السليمة أن الله هو الوحيد القادر على كل شيء ولذلك تجده عند الخطر الحقيقي .. وعند النوازل والمصائب وعند الشدائد وعندما تضيق الدنيا عليه وتغلق الأبواب وتنسد الطرق .. يلجأ إلى الله .. قال تعالى : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا ..عند الشدة .. وعند الكرب تضيع القوى وتبقى القوة الحقيقة.
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ . أيها الأحبة .. ماذا ننتظر .. لماذا لا نُعمِل ذكاءنا من الآن . ؟ هل ننتظر الشدة حتى نرجع إلى الله ونتقيه حق تقاته ؟ هل ننتظر حتى نصاب بمرض عضال أبو بمرض خبيث أو يصاب أحد الأبناء حتى نرجع إلى الله ونتقيه حق تقاته .. هل ننتظر حتى تحل بنا كارثة أو مصيبة حتى نرجع إلى الله ونتقيه حق تقاته .. هل ننتظر حتى نحس بدنوا النهاية ونقترب من سكرات الموت حتى نرجع إلى الله ونتقيه حق تقاته .. ماذا ننتظر ؟............. أخي الكريم : هل تؤمن بوجود الله وأنه قوة عظمى خالق كل شيء ومتصرف في كل شيء .. هل تؤمن بأن الدنيا فانية وأن الموت نهاية محتومة هل تؤمن بأن الجنة حق والنار حق وأن هناك بعثا وحسابا ؟ هل تؤمن بذلك ؟ .. نعم .. من المؤكد إن الإجابة بنعم . إذا ماذا تتنظر ؟
من المفارقات العجيبة : تجد الشخص يخاف الوحدة يخاف الظلام .. يخاف الأماكن المهجورة .. ومع ذلك لم يعمل حساب القبر وظلمته .. أي غباء أكثر من ذلك .
من المفارقات العجيبة : تجد الشخص الرقيق الذي لا يتحمل منظر الدم .. يخاف من الآلم ..ومع ذلك لم يعمل حساب السلخ والحرق في نار جهنم .أي غباء أكثر من هذا
ومن المفارقات العجيبة : أنه رغم وجود الأناء وبقوة عند البعض إلا أنه يؤثر القليل على الكثير ويؤثر الفاني على الباقي كيف فرط في الأخرة.. أين ذكائه ..
والخلاصة أيها الكرام : إن الملتزم أكثر ذكاء من الأقل التزاما .. وإن الإنسان مهما حصل من الشهادات حتى لو كان يمتلك شهادة في أدق التخصصات العلمية واصعبها .. ومهما أمتلك من أموال وقوة إذا كان علمه وذكائه وقوته لم ترجعه إلى الله فهو أقل ذكاء .. الذكاء الذي لا يوصل إلى القوة الحقيقية ليس ذكاء . والذكاء الذي لا يوصل إلى السلامة والأمن ليس ذكاء . وأي سلامة وأي أمن مع التقصير في حق الله ...

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:16 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.