• ×

06:31 صباحًا , الأحد 20 يونيو 1446

السكينة .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  1168
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 السكينة .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
الحمدُ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونستهدِيهِ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فهوَ المهتَدِ، ومنْ يُضْلِلْ فلَنْ تجدَ لهُ وليًا مُرشِدًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، صلّى اللهُ عليهِ وعلى أله وسلم تسليما كثيرا .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
أما بعد :
أيها الأحبة : جنود الله كثيرة جدا .. لا يمكن حصرها أو عدها أو الإحاطة بها
قال تعالى وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ
سنتحدث اليوم عن أحد هذه الجنود .. لا تطيب الحياة بدونه ولا تكتمل السعادة من غيره إنها السكينة التي تتنزل على الأحياء .. فتحيل حياتهم إلى طمأنينة ورضى وسعادة .. قال تعالى :
هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا
السكينة هي الغاية المثلى .. وهي الهدف الأسمى .. وهي السر الأعظم .. وهي منتهى الآمال .. إذا تنزلت على أحد أحالت حياته إلى جنة ونعيم .. قد يكون معدما ويمنحه الله السكينة فيسعد بها ولو فَقَدَ كلَّ شيء ، ويشقى الإنسان بفقدها ولو ملَك كل شيء وقبل أن أستطرد دعونا نتعرف على معنى السكينة ..
السكينة لغة:
مأخوذة من مادّة (س ك ن) الّتي تدلّ على خلاف الاضطراب والحركة، يقال: سكن الشّيء إذا ذهبت حركته فاستقرّ وثبت، ومن هذا الباب: السّكينة هي الوقار، وقيل، الوداعة وقيل: هي الطّمأنينة، وقد يراد بها الرّحمة وقيل هي الأمن .. وهي الرّضا والتّسليم .
أما السكينة في الاصطلاح :
شعور لا يمكن وصفه ولا يمكن الإحاطة به ولا يمكن معرفة كنهه يتغشى الإنسان ويسيطر عليه .. قيل إنه يتنزل من السماء وقيل ينبع من القلب .. والحقيقة أنه يتنزل من السماء ليستقر في القلب ويؤثر على الجوارح .. وقيل هي نور في القلب يسكن إليه صاحبه ويطمئنّ به ، وقيل: هي زوال الرّعب
وقال ابن القيّم: هي الطّمأنينة والوقار والسّكون الّذي ينزله اللّه في قلب عبده عند اضطرابه ..
ومن نتائجها مادة أو مواد يفرزها الجسم مضادة لكل عوارض افرازات الهرمون السلبية التي يفرزها الجسم عند إحساسه بالخطر .. مادة مهدئة جدا ليست من صنع البشر ولا يعادل مفعولها أي مهدي أخر .
وهي السر الخفي .. الذي يختفي معها الخوف والتوتر والقلق والضيقة والهم والحزن فلا ينزعج الإنسان بعد ذلك لأي شيء كان . فهي سر من أسرار الله العظيمة .. أصلها في القلب ثم تفيض بعد ذلك على الجوارح
ما ذكرناه آنفاً ليست مبالغة إنها حقيقة .. بل إننا لم نقل في حقها شيء بعد
أيها الأخوة الكرام ، هذه السكينة ليست مِلْكَ لأحد ، هذه السكينة لكل البشر ، ولكن بشروطها ، وهذه السكينة درجات .. قدر ما تمتلك منها قدر ما تشعر بالراحة .. ما مِن نعمة تُحجب معها السكينة إلا وتنقلب بذاتها إلى نقمة ، المال نعمة إذا حجبت السكينة أصبح لا قيمة له ، وما من محنة تحفها السكينة إلا وتكون هي بذاتها نعمة ، ينام الإنسان على الحصير مع السكينة فإذا هو على فراش وثير ، وينام على الحرير وقد أمسكت عنه السكينة فإذا هو خشن كأنما ينام على الشوك .
يعالج المرء أعسر الأمور ومعه السكينة فإذا هي هوادة ويسر ، ويعالج أيسر الأمور وقد تخلت عنه السكينة فإذا هي مشقَّة وعسر ، يخوض المخاوف والأخطار ومعه السكينة فإذا هي أمنٌ وسلام ، ويتحول السهل بدون السكينة إلى جبال وعرة
هذه السكينة : هي التي وجدها إبراهيمُ عليه السلام عندما ألقي في النار ، قال حسبنا الله ونعم الوكيل فقال الله تعالى : قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ .. وهي التي وجدها يوسفُ عليه السلام عندما ألقي في البئر ،قال تعالى : فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ كما وجدها في السجن ، قال تعالى : قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ، ووجدتها أم موسى عندما خافت على ابنها وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وجدها موسى عليه الصلاة والسلام عندما لحقه فرعون وجنوده قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ، ووجدها عند مواجهة السحرة فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ : قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَىٰ .. وجدها سحرة فرعون ولم يابهوا بالموت قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ..........
وجدها أصحاب الكهف قال تعالى : وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا
والسكينة وجدها محمد صلى الله عليه وسلم حينما خرج من مكة مستخفياً فاراً بدينه إلى المدينة، ليس معه إلا أبو بكر الصديق ، وصل الأمر إلى درجة قال معها أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {والله يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى نعله لرآنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما} وقال الله تعالى: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا
ونجد في التاريخ الإسلامي الكثير من القصص المتواترة مثل قصة الصحابية التي فقدت ابنائها الأربعة الذين استشهدوا جميعاً في حرب القادسية. وبلغها الخبر - رضي الله عنها - مع الجيش العائد محملاً بالظفر، فرحت بنصر المسلمين ولم تتأثر بموت أبنائها وقالت : "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم ، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته . أي سكينة وأي ثبات نزل عليها رضي الله عنها .
وقصة الصحابي خبيب الذي وقع أسيرا بأيدي المشركين حين اخرجوه ليقتلوه قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين فتركوه فركع ركعتين ثم قال لو لا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها و سألوه أيسرك أن محمدا عندنا نضرب عنقه وإنك في أهلك ؟ فقال لا والله ما يسرني إني في أهلي وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




الحمد للَّهِ الذي سبحت الكائنات بحمده ، وعنت الوجوه لعظمته ومجده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى أله وسلم
أيها الأخوة المؤمنون :
السكينة من المواهب .. لا من المكاسب .. بمعنى أن المؤمن يعمل , والله سبحانه وتعالى يُكافئ , فالذي يأتي من الله مواهب ، والذي يأتي من جهد العبد مكاسب .
الاستقامة من المكاسب ، تحرّي الحلال من المكاسب ، مجاهدة النفس والهوى من المكاسب .. السكينةُ من المواهب ، فأنتَ تتحرك نحو الله عزّ وجل , والله يمن عليك بالهبات ومنها السكينة فهي هبة من الله عز وجل تتنزل على القلوب ، فمثلا : أنتَ تغضُ بصركَ عن محارم الله , والله يهبكَ مباشرة حلاوةً في قلبكَ إلى يوم تلقاه , هذه الحلاوة من المواهب والغضُ من المكاسب ، المكاسب شيء والمواهب شيءٌ آخر بل إنَّ المواهبَ من ثمرات المكاسب
من أشكال السكينة .. المعية فالمؤمن وقد اتصل بالله يعيش في معية الله ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟ الشعور بمعية الله شعور لا يقدر بثمن ، وهي نوعان معية عامة : قال تعالى ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ .
ومعية خاصة وهي معية التوفيق ، معية الحفظ ، معية النصر ، معية التأييد
قال تعالى : ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ﴾ . وتتضح في قوله تعالى لا تحزن إن الله معنا .. وقوله تعالى وربطنا على قلبها ..
متى تتجلى أهمية السكينة والحاجة لها ؟ : نحتاج إلى السكينة في حال الوساوس التي تعترض البعد في الأعمال الصالحة، من صلاة وصيام وحج وعمرة وأعمال بر وغير ذلك، فتكون الحاجة لها هنا كبيرة جدا لتهدأ النفس ويطمئن القلب ؛ فبوجود السكينة تندفع الوساوس التي تفسد على الإنسان عبادته بعيدا ..
كما أن قلب العبد محتاج إلى السكينة في حال الخوف؛ ليثبت قلبه ويسكن ويطمئن، فإن القلب قد يصيبه الخوف والهلع والفزع، فالإنسان لا يخلوا في حياته من المنغصات ومن الأعداء .. لا يخلوا من الهموم والمشاكل .. لا يخلوا من المرض وما أكثر المخاوف التي تقلق قلوب الناس، فمع السكينة يصبح المسلم غير مكترث مرتاح .. هادي .. واثق في الله .. مطمئن وكأن الأمر لا يهمه .
قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ)
أيها الأخوة الكرام بقي أن نوضح قضية غاية في الأهمية في موضوعنا هذا وهي كيفية الوصول إلى السكينة وما هو سببها ..
كما أشرنا سابقا وهنا الخلاصة : إن تنزل السكينة هبة من الله عز وجل .. تأتي نتيجة التقرب إلى الله بالطاعات تأتي بسبب استيلاء مراقبة العبد لربه جل جلاله حتى كأنه يراه وكلما اشتدت هذه المراقبة أوجبت له السكينة التي تتنزل عليه وقت الحاجة فهي كرامة من كرامات الله ومنّة يكافئ بها أولياءه .. وهي عاجل البشرى لهم وَمِنْ وَسَائِلِ الحُصُولِ عَلَى السكينة ذِكْرُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وتعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ، وَمِنْ وَسَائِلِ الحُصُولِ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ القَلْبِيَّةِ التَّدَبُّرُ فِي آيَاتِ اللهِ القُرآنِيَّةِ، وَالنَّظَرُ فِي آيَاتِهِ الكَوْنِيَّةِ
ومن أسبب السكينة حلق الذكر وخاصة القرآن الكريم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة ، وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده
ومن أهم وسائل الحصول على السكينة الدعاء وطلبها من الله تعالى فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله بها كما حصل في غزوة الخندق إنه كان صلى الله عليه وسلم ينقل التراب ويرتجز ويكرر : قول اللَّهُمَّ لَوْلا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا, فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا,
هذا وصلوا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد امركم الله بذلك في كتابه المبين فقال: (ان الله وملائكته يصلون علي النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلي اله وصحبه وسلم وارض اللهم عن التابعين لهم بإحسان الي يوم الدين , وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا ارحم الراحمين , اللهم امنّا في اوطاننا واصلح ائمتنا وولاة امورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر دينكَ وكتابك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين. اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا سميع الدعاء . اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين. اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلك في كل مكانٍ ، اللهم أنصر جندونا المرابطين على الحدود اللهم اصلح أحوالَهم، اللهم اربط على قلوبهم واهزم عدوك وعدوَّهم. اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بيده إلى البرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد .
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . أقم الصلاة

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 06:31 صباحًا الأحد 20 يونيو 1446.