• ×

09:28 مساءً , الثلاثاء 1 يونيو 1446

الوقت .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  1066
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم
 الوقت .. خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
الحمدُ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونستهدِيهِ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فهوَ المهتَدِ، ومنْ يُضْلِلْ فلَنْ تجدَ لهُ وليًا مُرشِدًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، صلّى اللهُ عليهِ وسلم .
أما بعد : قال تعالى
﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ُ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾
أيها المسلمون : قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم .. إنه الوقت وما أدراك ما الوقت .. الوقت أغلى ما يملكه الإنسان ، فهو الدرة المصونة عند العاقلين وهو الجوهرةِ الثَّمِيْنَةِ في نظرِ العارفين ، هو أحد أهم جوانبِ النِّعْمَةِ المَغْبُونِ فيها كثيرٌ من النَاسِ، يقول صلى الله عليه وسلم : ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فيهما كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ: الصحة والفراغ )) تأملْوا قولَهُ: كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ! والمعنى أنَّ القيل من الناس هم الذي يُوفِقُون لاغتنامِ هاتين النِّعْمَتَينِ بما يَنفعُ.
يقول الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يومٌ ذهب بعضك ".
أيها الإخوة الكرام : عرَض القرآن الكريم والسنة المطهّرة قيمة الوقت وأهميته وأوجه الانتفاع به ، وأكدا على أنه من أعظم نعم الله التي أنعم بها سبحانه وتعالى على عباده ولهذا أقسم الله بأجزاء من الوقت في مطالع سورٍ عديدة ؛ فيقسم بالفجر في قوله : وَالْفَجْرِ .. وَلَيَالْ عَشْرٍ ويقسِم باللّيل والنهار في قوله: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ويقسم بالضحى في قوله: وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى .. وقَسَمُهُ سبحانه بأجزاء الزمان يدل على عظيم قدره وخطورة شأنه وجليل مكانته .
وجاء في السنة أحاديث عديدة عن الوقت وأهميته منها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟ ))
أيها الأخوة الكرام ، الزمان هو الوجود نفسه فدونه لا وجود لأي موجود والوقت هو الحياة .. والحياة جزء يسير من هذا الوجود فترة محددة وتنتهي قال تعــالى : فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ولذلك عندما نقول الحياة يحضر بالضرورة إلى الذهن اسئلة مهمة جدا ، .. كم هي حياتي وكم بقي منها .. ومتى سينتهي وقتي ؟
أيها الأحبة : من أنواع الذكاء القدرة على التكيف .. ومن لا يستطيع أن يتكيف لا يستطيع أن يعيش .. والتكيف لا يكون مع الحاضر فقط .. بل يكون أيضا مع المستقبل والمصير المحتوم .. ، ومعناه : توطئة النفس وترويضها ويكون بالاستعداد والتجهز والحذر وأخذ الحيطة .. إن معرفة النهاية والتأكد منها من أكبر نعم الله علينا فذلك يساعد على توخي الحذر والسلامة .
وإن أخطر حدث مؤكد في المستقبل هو الرحيل ومغادرة الدنيا ، أخطر حدث يمر عليّ وعليك وعلى كل البشر .. إنه الموت .. حقيقة مؤكدة .. فكيف نتكيف مع هذا الحدث الذي لابد منه ؟ الذي لا يدع كبيراً ولا صغيراً ولا صحيحاً ولا مريضاً ولا غنياً ولا فقيراً ولا ملكاً ولا قويا ولا ضعيفا إلا أخذه .
كل مخلوق يموت ، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول ..
كيف نتكيف مع الموت .. الجواب باختصار : باستغلال الزمان والاستفادة القصوى من الوقت وتجهيز المكان الذي سوف ننتقل إليه .
أيها الأخوة الكرام .. الله حكم عدل .. رؤوف رحيم .. لا يحاسب حتى ينذر .. ولا يأخذ حتى يمهل .. ولا يعاقب حتى يذكر ..
﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾
أين النذير ؟ إنها نذر .. ليس نذيرا واحدا .. النذير أيها الأخوة الكرام سن الأربعين ، فمن تجاوز الأربعين دخل في أسواق الآخرة ، و النذير سن الستين ، و النذير الشيب ، كبرت سنك ، و ضعف بصرك ، و انحنى ظهرك ، و شاب شعرك الا تستحي من الله .. هذه الأعراض التي تصيب الإنسان إذا تقدمت به السن لها معنى دقيق ، هذه الأمراض التي تصيب الإنسان .. هذه الحوادث .. هذه الفواجع .. هذا الموت الذي يتخطف الناس من حولنا .. كفى بالموت واعظا .. كل ذلك من النذر كل ذلك معناه أن يا عبدي انتبه قد اقترب اللقاء فهل أنت مستعد له ؟


وقال رجل لسفيان الثوري رحمه الله : اجلس معنا نتحدث ، فقال : كيف نتحدث والنهار يعمل عمله ؟ ما طلعت الشمس إلا كانت شاهدةً على العباد فيما فعلوا .
وسئل أحد العارفين لماذا لا تسهر معنا؟ قال وفيم تسهرون ؟ قالوا نتسلى ، نقطع الوقت باللهو المباح ، قال: لا ينبغي أن يُسهر ليلة الامتحان إلا على الدرس .
سبحان الله .. أيقسم الله عز وزجل بالوقت لعظمته وأنتم تقطعونه هكذا .. قال تعالى والعصر إن الإنسان لفي خسر ..
إن أكثر الناس تهورا هو من يقدم على الموت وهو خال الوفاض .. فالأمر ليس مغامرة بمال أو بصفقة أو بمنصب .. الأمر أخطر بكثير .. جنة عرضها السموات والأرض .. أو نار تلظى .. ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شي من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة " ويقول الحسن البصري رحمه : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دارهمكم ودنانيركم .
أيها الأحبة : قضية الموت قضية مهمة جدا ، تستحق منا أكثر من ذلك .. يروى أن الوليد بن عبد الملك حين حضرته الوفاة نزل عن كرسي الملك ، ومرغ وجهه في التراب وأخذ يبكي ، ويقول : ما أغنى عني ماليَه ، هلك عني سلطانيَه .
عش ما بدا لك سـالماً في ظل شاهقت القصور
يجري عليك بما أردت مــــــــع الــغدو مـــع البكور
فإذا النفوس تغلغـلــت بزفير حشرجــــة الصدور
فهناك تـعلــم موقنـــــــاً ما كـنــــــــت إلا في غرور
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .
الحمد لله الذي جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وحجة الله على الخلق أجمعين، محمد بن عبد الله .. وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد : قال تعالى ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾
عباد الله : هل الليلُ والنهارُ إلا مَراكبُ يَختلفُ الناسُ في سبلِ الانتفاعِ بهما، فمغبوطٌ يستثمرُها في طاعةِ اللهِ، ويزرعُ فيهما ما يَبلغُهُ إلى اللهِ، ويسعدُ يوم لقاءِه، ومَغبونٌ مُضيعٌ لساعاتِ الليلِ والنهارِ، مُفرِطٌ على نفسِه، يَحملُ الأوزارَ والآثام التي تثقلُ كاهلَه يوم العرضِ على اللهِ، وصَدَقَ اللهُ العظيم : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)
أيها الأخوة الكرام : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، و زنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، و سيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا، واعلموا أن الذي أمرتم به أوسع من الذي نهيتم عنه ، وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم ، فذروا ما قل لما كثر ، وما ضاق لما اتسع ،وبادروا بالعمل ، وخافوا بغتة الأجل" .
أيها المسلمون، يُخيَّل لبعض الناس أن الأيام ستفرغ له في المستقبل من الشواغل، وتصفو له من المكدرات والعوائق، وأنه سيكون فيها أكثر فراغاً ، ولكن الواقع المشاهد على العكس من هذا، كلما كبرت سِنُّك كبرت مسؤولياتك وزادت علاقاتك وضاقت أوقاتك ونقصت طاقتك، فالوقت في الكبر أضيق، والجسم فيه أضعف، والصحة فيه أقلّ، والنشاط أدنى، والواجبات والشواغل أكثر وأشدّ.
إذا المرء أعيته المروءة يافعاً *** فمطلبها كهلا عليه ثقيل
عباد الله: تحرّي وتلمُّس الأوقات الفاضِلة هو من الحكمة، ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. والمولى سبحانه وتعالى اختصَّ بعض الأزمنة بخواصّ لم يختص بها غيرها، ففضلها على غيرها، عن كعب الأحبار قال: "إن الله تبارك وتعالى اختار ساعات الليل والنهار فجعل منهنّ الصلوات المكتوبة، واختار الأيام فجعل منها الجمعة، واختار منها الشهور فجعل منها رمضان، واختار الليالي فجعل منها ليلة القدر، واختار البقاع فجعل منها المساجد". فتعرضوا ـ عباد الله ـ لنفحات ربّكم جل وعلا، فإنّ له في دهرنا نفحات، والموفّق من تعرّض لها.
يكفينا عباد الله : أنْ نَطلع على نماذجَ من سيرِ النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه رضي الله عنهم لنرى كيف كانوا يعملون، وكيف كانوا لأوقاتِهم مُستثمرين،
كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تفطرت قدماه وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر .. وأما أصحابه رضوان الله عليهم فقد ضربَوا أروعَ الأمثلة في اغتنامِ الوقتِ .. فالصلاةُ مثلاً لا يُشغلُهم عنها شاغلٌ، ولا يصرفُهم عنها صارفٌ، وإن كانوا في ساحاتِ الوَغى، ولا تسألْ عن حُسْنِ صَلاتِهِمْ، وطولِ قراءتِهم، وقيامِهم وركوعِهم وسجودِهم وخشوعِهم، وكانوا أحرص الناس على العلم والعمل يقول بن مسعود رضي الله عنه : ((كان الرجلُ منا إذا تَعلَّم عشرَ آيات لم يجاوزهن حتى يَعرفَ معانيهن، والعملَ بهن)) .. وفي الصدقة وفي الصيامِ وفي بقية العبادات لهم أخبارٌ، وأحوالٌ تراها النفوسُ الضعيفةُ ضرباً من الخيالِ .
عباد الله : اقتدوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر المحجلين.. وكونوا من المغبوطين .. استغلوا الوقت .. فالتعب يذهب وتبقى نتائجه .. ولا تكونوا من المغبونين فاللذة تذهب وتبقى حسرتها .
ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (4) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ .
هذا وصلوا علي البشير النذير والسراج المنير فقد امركم الله بذلك في كتابه المبين فقال ( ان الله وملائكته يصلون علي النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلي اله وصحبه وسلم وارض اللهم عن التابعين لهم بإحسان الي يوم الدين , وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا ارحم الراحمين , اللهم إنا نعوذُ بك من العجزِ والكَسلِ، اللهم ألهمنا رُشدَنا، ويسر أمورَنا، واختم بالصالحاتِ أعمالَنا. اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا . اللهم إنا نعوذ بك من طول الأمل وقلة العمل اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن .. اللهم امنا في اوطاننا واصلح ائمتنا وولاة امورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين اللهم ابرم لهذه الامة امر رشد يعز فيه اهل طاعتك ويهدى فيه اهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهي فيه عن المنكر. اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بيده إلى البرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد. اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم أنصر المجاهدين في سبيلك اللهم وحد كلمتهم وسدد رميهم واخذل عدوك وعدوهم .
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . أقم الصلاة

التعليقات

التعليقات ( 0 )

التعليقات ( 0 )

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 09:28 مساءً الثلاثاء 1 يونيو 1446.