الحياة الزوجية ... خطبة جمعة .. جامع قرية خفه / حامد علي عبد الرحمن
الحمدُ لله نحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونستهدِيهِ ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنا، مَنْ يهدِه اللهُ فهوَ المهتَدِ، ومنْ يُضْلِلْ فلَنْ تجدَ لهُ وليًا مُرشِدًا، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ ، صلّى اللهُ عليهِ وسلم .
أما بعد، فاتقوا الله - عباد الله: يقول تعالى :
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
عباد الله:
نعم الله تعالى لا تعد ولا تحصى .. وآلائه لا تحد ولا تنتهي .. وإن من أجلها وأعظمها نعمة الزواج، حيث جعله الله آية من آياته العظام قال تعالى : ، ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾
حديثنا اليوم سيكون عن الزواج وعن الأسرة المسلمة .. الحقوق والواجبات والهموم والمشاكل .. سيكون لنا وقفات سريعة مختصرة بهدف التذكير ليس إلا ..
أول وقفة مع الخطبة وما قبل الزواج .. آدابها واحكامها .. فإذا كان الأساس متين يكون الزواج متين . وإذا كان الأساس مخالف للسنة وضعيف فتوقعوا الفشل
عن أبي هريرة رضي الله عنه : قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك .. هذا عند اختيار الزوجة .. أما من عند اختيار الزواج قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض .. وهنا أمر صريح بعدم رد الخاطب إذا لم يكن هناك سبب شرعي وإذا كان الخاطب صاحب دين وخلق فإن الحديث يحذر من رده . المقياس الدين والخلق لا الغناء ولا المال والا الشهادة ولا المنصب ولا الجاه ..
ومن أداب الخطبة بل من احكامها أن لا تتقدم إلى إنسانة مخطوبة مالم يبت في أمرها .. لأن ذلك محرم شرعا : قال صلى الله عليه وسلم لا يبع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب بعضكم على خطبة بعض .
ولنحذر المخالفات والبدع ومنها : تلبيس المخطوبين الدبل لبعضهم و تواصلهم وجلسوهم مع بعض بالساعات الطويلة وخروجهم مع بعض بدون محرم . قبل عقد القرآن أوقبل اكتمال اركان الزواج الشرعي .. وعقد القرآن إذا لم تكتمل بقية الشروط أيضاً لا يكفي .. وشروط الزواج الشرعي هي : العقد ويشتمل على الإيجاب والقبول والمهر والشهود .. والإعلان ... فلا يصح الزواج أبدا في السر بدون إعلان ولا تعد زوجة شرعية إلا بهذه الشروط وبدونها لا تحل له . فالإعلان يضمن الحقوق وخاصة للزوجة . وما نلحظه في الآونة الأخيرة من كثرة الطلاق وكثرة الانفصال وكثرة المشاكل حتى قبل الدخول أحيانا إلا نتيجة التساهل في ذلك .
أما الوقفة الثانية مع المهر وتكاليف الزواج ..
إِيَّاكُمْ وَالْمُغَالاَةِ فِى مُهُورِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ أَوْ مَكْرُمَةً عِنْدَ النَّاسِ لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْلاَكُمْ بِهَا .. قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها : أَعظم النساء بركة أَيسرهن مؤنة
أيضا من المخالفات والبدع إحياء حفلات الزواج بالمنكرات والمعازف والرقص ودخول العريس على النساء غير المحارم وزف العرسان كل ذلك من المنكرات التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير حتى في البيوت المحافظة وبكل أسف بسبب الجهل أحيانا .. والحياء والمجاملة أحيانا أخرى .. وهذه مصيبة حقيقة يحاسب عليها أولياء الأمور بالدرجة الأولى .. وعادة ما يدفعون الثمن بفشل الزواج أو قلة بركته وكثرة مشاكلة .
أيضا من المخالفات الشرعية الإسراف : وهذا ما يقع فيها الكثير منا للأسف .. ليس في حفلات الزواج فقط .. بل في بيوتنا في الوجبات اليومية . قال جل وتبارك وتعالى : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع يا رسول الله، قال: وأنا، والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوما، فقاما معه، فأتى رجلاً من الأنصار .. فلما نظر الأنصاري إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه، قال: الحمد لله، ما أحدٌ اليوم أكرم أضيافاً مني فانطلق فجاءهم بعذق فيه بُسر وتمر ورُطب فقال: كلوا، وأخذ المُدية ،يعني: السكين، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إياك والحلوبَ فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا وارتووا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم ) رواه مسلم.
خرجوا من بيوتهم بسبب الجوع ، يا الله .. ليس في بيوتهم شيء ، وهم خيار أهل الأرض، وعندما شبعوا قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لتسألن يوم القيامة عن هذا النعيم ) ، يسألون عن شيء أكلوه .. لم يقل رموه . فكيف بنا .. فكيف بمن يرمونه .. والله إننا سنسأل عن .. بقايا الخبز .. والرز .. عن بقايا الطعام التي تزيد يوميا بل تزيد في كل وجبة من وجباتنا .. أما في حفلات الزواج فحدث ولا حرج .. يحمل أحسننا حالا كيس النفايات أكرمكم الله في يد وفي اليد الأخرى كيس بقايا الطعام التي عزلها وفي مكان ليس بعيد وضعها ليأكل منها حيوانا أو طير . ويحسب أنه قام بما عليه .. يحسب أنه قام بواجبه .. ولا شك أنه أفضل حالا من ذلك الأخر الذي خلطها بكل استهتار مع النفايات .. إن من أكبر وأخطر أنواع الآثام التي يتركب الإنسان والتي عقوبتها عاجلة غير أجلة هي رمي بقايا الطعام مع النفايات .. نسأل الله السلامة .. اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا
اللهم أدم علينا نعمة الإسلام ونعمة الآمن والأمان .. اللهم سدد أقوالنا وافعالنا واجعلها فيما يرضيك . اللهم أصلح شباب المسلمين اللهم ارزقهم العفاف والتقى .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله الذي خلق من كل شيء زوجين .. وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ، الحمد لله الذي } جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ { . أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وبعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين .
أما بعد - عباد الله :
الزواج نعمة عظيمة، ومنّة من الله جليلة، ففيه السكن والراحة، والمودة والرحمة، وفيه السعادة والهناء، والراحة والصفاء .
أيها الأحبة وقفتنا الثالثة والأخيرة هي ما بعد الزواج .. إن العلاقة الزوجية إذا بنيت على أساس الإيمان والتقوى، والمحبة والرحمة والمودة، فلا خوف عليها إطلاقًا ولا خطر، وإن وقع بين الزوجين خلاف، فإنه ينتهي سريعا ، ومعلوم أن الحياة الزوجية لا تخلو من خلاف ونكد، ولولا صبر الزوجين وتحملهما لبعض - لما استمر الزواج وأثمر .
لقد رغب الإسلام في الإبقاء على الحياة الزوجية، ونهى عن كل ما يكدر صفوها أو يعكر عليها؛ قال - تعالى -: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقًا، رَضِي منها آخر))؛ رواه مسلم.
أيها الأخوة الكرام : في صحيح البخاري عن الأسود قال : سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله تعني في خدمة أهله فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة.
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم : استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم، إن لكم عليهن حقا، ولهن عليكم حقا . وقال صلى الله عليه وسلم : خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهـلي وقال صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين أيماناً، وأقربهم مني مجلساً، ألطفهم بأهـله .
والحقيقة : إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم .
وباختصار كبير جدا كما تحب أن تُعامل أختك أو ابنتك عامل أنت زوجتك .. إن أردت أن يهن ويذللن فأهنها وأذلها .. وأن أردت أن يكن كريمات عزيزات فاعزها واكرمها .. هذه هي الرجولة والشهامة .
أما عن المشاكل الزوجية فأقول .. قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ, وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ». رواه مسلم وأيُّ تحريشٍ و أي عداوةٍ أشدُّ من عداوةٍ يزرعها الشيطان بين الزوج وزوجته ؟, إن البيت المسلم وخرابه هدف أساسي للشيطان فبخرابه يخرب المجتمع .. ولذلك تجده حريصا جدا يكبر القضايا الصغيرة ويعقد الأمور البسيطة .. يستثمر عزة النفس المبالغ فيها عند الزوجين ويصعد المشاكل .. يستثمر الحقوق والواجبات ويصعد المشاكل .. وحتى ندحر الشيطان ونرده خائبا .. عليكم بالرفق
قال صلى الله عليه وسلم : إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق
والرفق هو : لين الجانب بالقول والفعل , والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف
واعلموا إن المشاكل الكبيرة العظيمة .. مع العقل والحكمة والتروي والرفق تنتهي وكأنها لم تكن . والمشاكل الصغيرة الهينة البسيطة مع التهور والغرور والتعالي تصبح كبيرة جدا جدا . لا يوجد شر محظ .. كلنا فينا الخير والشر .. تلمس الخير في الآخر تجده ..
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا {
هذا وصلوا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد امركم الله بذلك في كتابه المبين فقال: (ان الله وملائكته يصلون علي النبي يا ايها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلي اله وصحبه وسلم وارض اللهم عن التابعين لهم بإحسان الي يوم الدين , وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا ارحم الراحمين , اللهم امنّا في اوطاننا واصلح ائمتنا وولاة امورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر دينكَ وكتابك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين. اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا سميع الدعاء . اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين. اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلك في كل مكانٍ ، اللهم اصلح أحوالَهم، واهزم عدوك وعدوَّهم. اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ بيده إلى البرِّ والتقوى، اللهم وفِّقه لما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون . أقم الصلاة
التعليقات