• ×

03:32 مساءً , السبت 19 يونيو 1446

لا أحب الضعفاء / حامد علي عبد الرحمن

بواسطة : admin
 0  0  2793
لا أحب الضعفاء / حامد علي عبد الرحمن
حنانيكم .. لا تفهموني خطأ
حتى أنتم أيضا لا تحبون الضعف والضعفاء .. بل الله جل وتبارك وتعالى لا يحبه . قال تعالى :
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
وقال تعالى موضحا خطورة الضعف وأنه ربما يؤدي إلى نار جهنم والعياذ بالله .. فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ
وقال صلى الله عليه وسلم .. المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف
فأنا لا أقصد بالضعفاء الفقراء والمساكين فالفقر ليس ضعفا وقلة ذات اليد ليست ضعفا .
الضعف الذي أكرهه ولا أحبه الضعف الناتج عن الخمول والكسل والتردد الضعف أمام الهوى والشهوات .. الضعف أمام العادات السلبية .. الضعف الاختياري إذا صح التعبير .
بعض الأشخاص .. دائما ما يبحث عن شماعة يعلق عليها تقصيره واخفاقاته .. المجتمع .. التربية .. المدرسة والمدرسون .. الأبوين .. يبحث عن أي سبب يلقي عليه المسئولية .. شخصية إسقاطية إذا صح التعبير .. دائما ما يتحايل ويتنصل ويبحث عن العلل .. يبحث عن سبب يحمّله مسئولية أخطاءه وتقصيره والحالة التي هو فيها ويسقط ذلك إسقاطا ويتكلف فيه بدون وجه حق ..
تدرون لماذا لا أحب الضعيف ... لأنه بكل بساطة سوف يخذلني ويتخلى عني عندما احتاجه .
فالضعيف .. شخصية إنهزامية .. غير مامؤنة ..
وأصعب ما يكون أن يتقمص الشخص دور الضحية ويصدق نفسه ... ويبحث عن مبررات وإسقاطات لضعفه وعجزه .. تلك الصورة هي إحدى صور الشخصية البارانوية محور هذه الشخصية الشك في الجميع وسوء الظن بهم وتوقع العداء والإيذاء منهم فالغالبية في نظره هم أشرار يرى نفسه متميز على الجميع وأنه هو الوحيد الذي يضحي ويعطي وأنه شمعة تحترق من أجل الآخرين وأنه مولود في غير زمنه وأنه لا أحد يفهمه ... والكثير من هذه الأفكار التي استحوذت عليه وعاشها وصدقها . هذا نوع من أنواع الضعف الذي أكرهه وهناك أنواع وأشكال غيره .
ومن اسواء أنواع الضعف . الضعف الاجتماعي .. الذي يجعل الإنسان يتقوقع على نفسه وينزوي على ذاته .. ذلك الشخص السلبي اجتماعيا الذي ليس له أي دور ..
ينطبق عليه قول الشاعر ..
فعيشك في الدنيا وموتك واحد وعود خلال من حياتك أنفع
يغلق باب منزله على نفسه لا يتفاعل لا ينكر منكر ولا يأمر بمعروف .. دائم الهروب .. قليل الحضور في المناسبات والاجتماعات .. دائما في الظل .. لا يراه جيرانه ومعارفه .. إلا عابرا ..
بعض الأشخاص فيه خير كبير جدا ويحافظ على الصلاة وذوا اخلاق عالية .. ولكنه أضاع ذلك الخير بسبب سلبيته وانسحابيته قال تعالى :
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ۖ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ۙ وَهُوَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
الدين ليس مجرد صلاة .. الدين صبر وتضحية وعطاء وتعامل وكل ذلك لا يتضح ولا ينكشف إلا بالخلطة والاجتماع بالناس .
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ) صححه الألباني
ومن أكثر صور الضعف الممقوت : السكوت عن قول الحق حياء وخجلا .. كأن تجلس في جلسة وتسمع أحد المتفلسفين المتفيهقين يتجاوز الحدود في الدين في الثوابت في أعراض الناس وأنت صامت لا تنبت ببنت شفة وكأنك أخرس ..
ماذا بقي من الرجولة بل ماذا بقي من الدين ؟
من صور الضعف المخجلة أيضا والمنشرة كثيرا للأسف ... أن يستمر الشخص في إحدى العادات السلبية سنوات عديدة دون أن يتغير أو يحاول أن يتغير .. وهنا نشير إلى خطورة العادات .. فهي أكثر ما يكشف الشخصية الضعيفة .
فرب عادة أورثت ذلا .. ورب عادة أورثت خاتمة سيئة نسأل الله السلامة
قل لي ماهي عاداتك أقل لك من أنت ؟
احذروا العادات فهي القاتل البطي .. وهي السم الخفي .. وهي العدو الأشد فتكا .. لم يهلك الرجال شيئا أكثر من العادات السلبية .. كم اخّرت من نابه .. وكم عطلت من مشروع .. وكم أضحكت من عدوا .. وكم سلبت من راحة .. وكم أضاعت من موهبة .. وكم مسخت من عقول .. وكم اهانت من كريم ..
مجرد عادة .. تساهل فيها صاحبها ولم يكن حازم مع نفسه فعلت كل ذاك .
والأمثلة كثيرة .. منها ما كان في أمر الدين كتأخير الصلاة والتساهل فيها .. وخاصة صلاة الصبح والعصر .. التساهل في المحرمات .. النت السلبي .. النظر والقنوات .. الدخان .. الخ
ومنها ما كان في أمر الدنيا .. كالسهر إلى أوقات متأخرة .. أو الكسل وتأخير الأعمال ..
أصعب ما في العادات إنها كلما طالت فترة ممارستها صعب تركها واستفحل أمرها .. فتصل بالشخص إلى الإدمان ..
وهنا يتجلى الضعف .. الذي يكرهه الله ورسوله
ومن صور الضعف المذموم الاتكالية .. وعدم الإحساس بالمسئولية
فرق كبير جدا بين أن تكون منتج فعال وأن تكون عبء على الأسرة والمجتمع
متى تكون عبء ؟
إذا تسببت في الألم والحسرة في قلب من يحبك ... فأنت عبء وعبء ثقيل جدا
وأكبر ألم تسببه لمن يحبك إذا شاهدك في وضع ديني منهار وعلاقة مع الله هشة .. إذا شاهدك في وضع صحي منهار .... إذا شاهدك في وضع نفسي منهار ... إذا شاهدك في وضع اجتماعي منهار ... إذا شاهدك أسير عادة سلبية لم تستطع الخروج منها .. أنت بذلك تسبب الألم والحسرة في قلب من يحبك بدون أن تشعر .
وعن العزيمة والصبر حكى لي أحد الأصدقاء موقف لجده رحمه الله قال :
كان جدي رجلا لا يكل ولا يمل .. صاحب همة عالية وجلد على العمل لا يرضى إلا بالتميز .. ليس ذلك فحسب بل صاحب عطاء في تواصله وزياراته وصبره على أقاربه وجيرانه وجماعته .
يقول بينما كان يعمل بجهد في مزرعته وحقله ليمنح الحياة إلى الأرض الميتة ويحيل السكون والخمول إلى نشاط يضج بالحركة وينحت الصخر ليكوّن منه تربة صالحة للزراعة .. مر عليه شخص خامل كسول اتكالي .. حياته تمر في تكرار ممل .. لا يؤمن بالتغيير .. ولا بالتطوير .. حياته موغلة بالتبعية متشبعة بشماعة القناعة وقناعة الضعف .. اندهش صاحبنا من قوة وطاقة هذا الرجل العجوز فقال عبارات فيها شيء من السخرية والاستهزاء محاولا إحباطه .
فقال هذا الجد :
قول آمين .. قال آمين اعادها عليه ثلاثا ..
ثم قال : ( اللهم زد القوي قوة وزد الضعيف ضعفا )
يقصد بالضعيف في عبارته العاجز الكسول الخامل
قالها بتلقائية قالها بعد أن ضاق ذرعا بالخمول والكسل قالها بحماس يعادل عرق المحاولات المتكررة التي لا تعرف اليأس للبحث عن حياة كريمة
نختم بهذه الأبيات من القصيدة الرائعة للشاعر أبي القاسم الشابي
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر
وَأَطْرَقْتُ ، أُصْغِي لِقَصْفِ الرُّعُودِ وَعَزْفِ الرِّيَاح وَوَقْعِ المَطَـر
وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ - لَمَّا سَأَلْتُ : " أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟"
"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر

كتبها / حامد علي عبد الرحمن
للتواصل مع الكاتب
0504587675
زيادة حجم الخطزيادة حجم الخط مسحمسح إنقاص حجم الخطإنقاص حجم الخط
إرسال لصديق
طباعة
حفظ باسم

التعليقات

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +4 ساعات. الوقت الآن هو 03:32 مساءً السبت 19 يونيو 1446.